الرئيسية / أخبار / قصة كفاح على مسارين عنوانها ‘أم الجزائريين’ شافية بوذراع
شافية بوذراع

قصة كفاح على مسارين عنوانها ‘أم الجزائريين’ شافية بوذراع

كل فن يحمل نورا إلى الآخر كما يقال، ولقد حمل فن الفنانة الراحلة بوذراع الكثير من النور والجمال والإبداع لأهلها وعشيرتها و أبناء بلدها.

شافية بوذراع فنانة من الطراز الرفيع سجلت اسمها بحروف من ذهب في سجل الفن الجزائري..ليس من اليسير أن تجتمع خصال عدة في شخص امرأة واحدة لتستوطن القلوب قبل العقول، لذلك فـإن ّأيقونة الفن الجزائري الراحلة شافية بوذراع والتي جمعت بين الكفاح والصمود في حياتها الحقيقية وفي ثنايا فنها المبدع الذي جسدت فيه ببراعة منقطعة النظير دور المرأة الجزائرية المكافحة ضد ويلات الاحتلال الفرنسي البغيض والصامدة في وجه قساوة الجهل والحرمان، استطاعت أن تلج قلوب أبناء وطنها دون استئذان لتفوز بمحبتهم واحترامهم ولتصبح ” أم الجزائريين ” بلا منازع… ولأن الأمل يولد من رحم المعاناة تسلحت هذه المرأة الشجاعة بالأمل الجميل وهي تجابه أيامها العسيرة حين كان الاستدمار الفرنسي آنذاك يستعبد الشعب الجزائري ويحول حياته إلى جحيم متضرم، وبعد الاستقلال حين وجدت نفسها وحيدة مسؤولة عن توفير لقمة العيش لأطفالها الخمسة اليتامى بعد استشهاد زوجها المجاهد صالح بوذراع في رحى معارك التحرير، تلك المآسي التي حولتها في المقابل الى امرأة مبدعة في مشوارها الفني المميز، الذي توجها لتمشي بكل شموخ على السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائي الدولي بفرنسا على غرار كبار نجوم العالم…

لم ترحب الحياة في بداياتها على ما يبدو بسيدة الفن الجزائري شافية بوذراع أو ” لالا عيني” وهو اللقب الذي اشتهرت به فيما بعد، رأت النور لأول مرة عام 1930 بعاصمة الشرق الجزائري قسنطينة في فترة زمنية حالكة السواد حين كان الاحتلال الفرنسي الغاشم يعيث فسادا في الجزائر ويخرب حياة أهلها ظلما واحتقارا، فعاشت كغيرها ظروفا قاهرة خاصة بعد التحاق زوجها بقافلة المجاهدين للذود عن حياض الوطن حين كانت لا تجد إلا قطعة الخبز اليابس لتطعم صغارها، وعلى الرغم من أن “لالا عيني” انضمت في شبابها إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية وكانت وقتها من طلاب العلامة الكبير عبد الحميد بن باديس وجلست على مقاعد الجمعيات الإسلامية لتغترف من معين العلوم الإسلامية، بيد أن القدر رسم لهذه المناضلة طريقا آخر هو طريق الفن أبلت فيه بلاء أكثر من رائع، فتألقت تألقا باهرا في سماء الفن الجزائري على مدار سبعة و أربعين عاما كاملة انتقلت خلالها بين جميع حقوله بين المسرح والسينما والتلفزيون تاركة بصمتها الفنية المختلفة، خاصة حين أبدعت في تمثيل دور المرأة الجزائرية ومعاناتها إبان فترة الاحتلال العصيبة، ناهيك عن دور ألم المرأة المكافحة ضد صلابة وجهامة الحياة، ولأنها تأثرت كثيرا بمعاناتها الشخصية أجادت في أدائها الفني وتركت بالغ الأثر …وقد تفتحت براعم موهبتها الفنية على خشبة المسرح على أيد المخرج مصطفى كاتب في عدد من الأدوار منها مسرحية ” دائرة الطباشير القوقازية” و ” المرأة المتمردة ” وغيرها ..

كل فن يحمل نورا إلى الآخر كما يقال، ولقد حمل فن شافية بوذراع الكثير من النور والجمال والإبداع لأهلها وعشيرتها و أبناء بلدها، سيما في مسلسل “الحريق” المقتبس عن رائعة الأديب الجزائري محمد ديب من إنتاج التلفزيون الجزائري عام 1974 ومنحها مخرج العمل مصطفى بديع حينها الدور الرئيسي “لالا عيني”، تلك المرأة المكافحة التي تكافح في كل الاتجاهات وتصمد صمود الجبال الراسيات من أجل عائلتها وفلذات أكبادها، وهو الدور الذي أبدعت فيه أيما إبداع وهو ذات الدور الذي صنع مجدها أو كما يقال هو الشجرة المثمرة التي غرستها وظلت طيلة حياتها تأكل من ثمارها، كما بزغ نجم الفنانة الإنسانة شافية بوذراع في الفن السابع السينما خاصة في فيلم “الخارجون عن القانون” عام 2010 للمخرج الجزائري العالمي رشيد بوشارب، وهو الإنتاج السينمائي الذي فتح لها باب الشهرة والنجومية على مصراعيه لكونه رشح لنيل جائزة الأوسكار في مهرجان كان السينمائي الدولي بفرنسا في دورته الثالثة والستين، وكانت أول فنانة جزائرية تسير على البساط الأحمر معتزة بهويتها الجزائرية حين وقفت أمام كاميرات العالم وهي ترتدي الزي التقليدي الجزائري “الكاراكو” فرفعت لها القبعات عاليا احتراما وتقديرا…إلى جانب مشاركتها في عدة أفلام سينمائية وطنية منها فيلم “كحلة وبيضاء” عام 1981 و”مال وطني” للمخرجة فاطمة بلحاج و”صرخة الرجال” لعكاشة تويتة وغيرها، و أفام أجنبية فرنسية مثل فيلم “اليسار السادس” للمخرجة كلير بلانجيل وأيضا “واحد ضد الآخر” للمخرج دومنيك بارون وأفلام أخرى …

شافية بوذراع فنانة من الطراز الرفيع سجلت اسمها بحروف من ذهب في سجل الفن الجزائري، وإن رحلت مؤخرا عن دنيانا وانتقلت إلى العالم الأخر، فإن لمساتها الفنية المبدعة ستظل ملهمة لنا وللأجيال اللاحقة على مر الأيام.

*ميدل ايست اون لاين

شاهد أيضاً

خلالالالا

«الخليج» الأفضل في تنفيذ مبادرات «التنوع والشمولية» و«تمكين المرأة»

تقديرا لدوره الرائد في تنفيذ مبادرات نوعية لتعزيز التنوع والشمول داخل البنك وخارجه، منحت مجلة …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com