الرئيسية / أخبار / “حافظو الذاكرة” الشخصية في لوحات الفنانة اللبنانية فاطمة مرتضى
الفنانة اللبنانية فاطمة مرتضى
الفنانة اللبنانية فاطمة مرتضى

“حافظو الذاكرة” الشخصية في لوحات الفنانة اللبنانية فاطمة مرتضى

تمظهر لعلاقة البشر بالطبيعة انطلاقا من المرأة وجمالياتها.
ترى الفنانة التشكيلية اللبنانية فاطمة مرتضى أن المرأة أكثر من يعبر عن العلاقة الجدلية بين البشر والطبيعة، وهي ترقيها بفضل أسلوبها القائم على تنويع الخامات إلى مرتبة الحافظ للذاكرة الجماعية والمحافظ على ما تبقى من الإنسانية.

قدمت الفنانة التشكيلية فاطمة مرتضى خلال شهر يونيو الماضي معرضا في صالة “إل تي” اللبنانية شمل مجموعة من اللوحات مشغولة بمواد مختلفة ووضعت له عنوان “حافظو الذاكرة”.

ضم معرض الفنانة اللبنانية متعددة الوسائط مجموعة أعمال أنجزتها مستخدمة عدة مواد على القماش منها الحبر الصيني وأقلام الرصاص والألوان المائية وقطع من قماش وخيوط متداخلة.

من ضمن ما أشار إليه القيمون على صالة “إل تي” عن معرض الفنانة أنه “تمظهر لعلاقة البشر مع الطبيعة التي تعتبرها الفنانة منطلقا للحياة ومتمثلة بشكل أساسي بالمرأة. وتحضر الشجرة بأوراقها وأغصانها المُعرّاة أو المحتشدة بالأوراق كرمز ارتبط قديما بالمرأة”.

ومن المعروف أن للفنانة مرتضى فلسفة خاصة حول ذلك، فهي تعتبر أن المرأة على صلة وثيقة مع الطبيعة بكل كائناتها ومن هنا تستمد قوتها الأساسية التي لا يستطيع أي رجل أن يقف ضدها إلى ما لانهاية.

رفعت مرتضى المرأة إلى مقام الأسطورة دون أن تجعلها أيقونة مقدسة، بل مُغمّسة بالحسية والحضور الجسدي المتّحد مع “روح الغابات”، إن صحّ التعبير. فمجرد صلتها القوية مع الطبيعة كفيلة بأن تجعلها كائنا وكيانا لا يهزم. وظهرت بشرايينها الظاهرة من تحت جلدها. شرايين تتفتّح فيها أزهار وورود وأعشاب ضارة وغير ضارة وتجري فيها دماء رقراقة هي الحياة ذاتها. تلك دماء متجدّدة لا تموت إلّا بفناء الجسد.

قد يجادل البعض أن الشجرة كانت في علم النفس وفي العديد من الحضارات القديمة رمزا للرجل وللأب بشكل خاص في حين أن الطبيعة بأسرها وبما تضم من عناصر هي رمز متوافق عليه للمرأة في شتى الحضارات القديمة. غير أن الفنانة مرتضى لا تحاول في معرضها هذا التوغل في مصداقية أو أبعاد ما اعتقدت به الحضارات القديمة أو ما رفضته بقدر ما تستمر في تطوير نصها الفني المرتبط ارتباطا وثيقا بالمرأة كرمز وكواقع من شقين: الجسد والروح في عالم ذكوري لا يزال مُتشنجا أمام قوة المرأة التي منحتها إياها الطبيعة وتلقتها هي في تمام التماهي والانسجام.

من الواضح في معرضها الجديد أن الفنانة توظف في لوحاتها مختلف المهارات والاختبارات التي اشتغلت عليها منذ أكثر من 10 سنوات في حرفية عالية. وما من فنان استخدم أكثر من مادة واحدة في لوحاته إلا ويدرك تماما صعوبة تحدي الخلط بين مواد مختلفة ضمن عناصر اللوحة الواحدة دون الخروج عن الخط البصري الذي يتميز به فنان دون آخر، ودون أن يبدو هذا المزج كنوع من شرح وتقديم أمثال عملية عن حرفية الخلط بين مواد مختلفة في عمل فني واحد. وهذا التمرس واضح في أعمال مرتضى وإن كاد أن يوقعها في فخ الفن التزييني الذي لا يهمه المضمون بل تشغله جمالية الشكل وجاذبيته الخارجية.

غير أن ما برز في الأعمال الجديدة للفنانة ربما يبعد عن فكرة علاقة المرأة بالطبيعة وكونها رمزا لها أو في تواطؤ يمنحها مصداقية متينة لاسيما أن هذه الصلة التي تقيمها الفنانة في لوحاتها الجديدة هي بمعظمها سلسلة من النباتات والأزهار التي تُستخرج منها مواد مُخدّرة أو مواد تثير الهذيان الذي كان مرتبطا في الحضارات القديمة مع الاتصال بأرواح الأجداد.

يبدو أن هذه الأزهار الخاصة جدا في اتحادها وحلولها في وجوه النساء ساهمت بشكل كبير في تشويه ملامحها تارة وتفكيكها تارة أخرى بشكل يذكّر بما قدمتّه في بعض معارضها السابقة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لا تصور الفنانة مرتضى ولا تصنع في لوحاتها عناصر من طبيعة نضرة، بل هي إما عناصر مهترئة أو متعفنة أو هي مجففة كتلك الورود العطرية التي نضعها في علب وأوان شفافة ولا نسمح من عطرها المتخمرّ إلا أن يفوح ضئيلا كل لحظة وقليلا كل يوم حتى الخفوت والتحلل إلى رماد بني اللون.

لذلك قد يتساءل الناظر إلى اللوحات حول هوية “حافظي الذاكرة”. فهل هم حقا حافظو الذاكرة الجماعية أم هم المعنيون بذاكرتهم الشخصية المتعلقة باحتراق انطلق من الخاص ليطال العام؟ ولماذا لم تُعنون الفنانة معرضها بـ”حافظات الذاكرة” إن كان أبطال اللوحات نساء؟ وهل شخوص الفنانة المُصابة باهتراء قادرة فعلا على الحفاظ على الذاكرة الجماعية كانت أم الشخصية؟ هن في حالة ثبات يختلفن عن النسوة في لوحاتها السابقة. وهن لا يثرن في خلفيات اللوحات أي ضجيج أو تحول أو قلق، بل هن منغمسات في تبددهن الخاص.

في المعرض بعض من أعمال الفنانة مؤطرة بكادرات بيضوية هي أشبه بسجون تُحفظ فيها المرأة/العطرية تماما كما في الأواني الشفافة التي ذكرناها آنفا وتضم أزهارا فقدت بريقها واحتفظت بعطرها/ذاكرتها الذي هو قيد التحلل والتحول إما إلى الغياب أو إلى رائحة طفيفة، ولكن عفنة لا علاقة لها بأريج أزهار مُخدرة أو غير مخدرة على السواء. حتى أن التفكيك والتخييط بالمكينة و”كسر العظام” الذي تستخدمه الفنانة في معارضها السابقة كان أيضا نوعا من “الحفظ” في أمكنة تضيق يوما بعد يوما.

وهي في معرضها الحالي تضع المرأة في ما يشبه حيزا مُغلفا بالزجاج حيث بدت، بملامحها المركزية التي تحتل فضاء اللوحة، كشاهد على التحطيم أو التحنيط أكثر من كونها شاهدا على استمرارية الحياة عبر الذاكرة.

تحيلنا تلك الأفكار التي تضعنا أمامها الفنانة عن قصد أو غير قصد إلى عالم التحنيط. ما هو المحفوظ هنا؟ وهل المحفوظ إن كان الذاكرة أو حاملة تلك الذاكرة يبقى على حاله عند القيام بتحنيطه؟ تبقى وتنتصر فكرة الحفاظ على فكرة الحفاظ على الذاكرة في حين تضمحلّ الذاكرة ويغيب اللون وتموت.. الحياة.

لم يعد خطر عالم الذكورة على كيان المرأة هو صميم الموضوع بل على الإنسان بشكل عام. وبذلك ترتقي امرأة مرتضى “المُجمّعة” من أشلائها إلى مستوى الحفاظ على ما تبقى من الإنسانية وإن كان ما تبقى يبدو مشوها. تعلّب الفنانة المرأة أو ما تبقى منها، وتزينها وتزخرفها بالخيوط وقطع القماش والقطب المختلفة. تحاول أن تحافظ عل ما تبقى منها بقدر المستطاع من التلوث وانحسار الأكسجين الذي يستشري وسيقود حتما إلى الاهتراء التام. تبقى صور الاحتراق هي الشاهدة وهي “الحافظة للذاكرة”.

*العرب

شاهد أيضاً

سلوىالصباح

«طائرة» سلوى الصباح بطل كأس الناشئات

أحرز نادي سلوى الصباح لقب بطولة كأس الناشئات تحت 18 للكرة الطائرة بعد فوزه على …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com