أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار / مسلسل “جريت وجاريت”… تكريم شجون المرأة المغربية بصرياً
زينب
زينب

مسلسل “جريت وجاريت”… تكريم شجون المرأة المغربية بصرياً

أوّل سمةٍ جماليّة يلاحظها مُشاهد مسلسل “جريت وجاريت” (2022)، لمُخرجته لميس خيرات، اعتماده على بساطة كلام تجعله قريباً من الواقع المغربيّ اليوم، وإنْ كانت بعض مَشاهده مُكرّرة ولا تستجيب إلى أحوال الصناعة الفنّية ومُتخيّلها.
وأكاد أجزم أنّ المخرجة فريدة بورقية هي من أكثر المخرجات المغربيات اللواتي عملْن على تكثيف صورة دراما المرأة في المغرب، عبر مسلسلها “دواير الزمان” (2000). فمنذ ذلك التاريخ لم نعد نعثر على هذا النوع من الدراما الذي يستعيد سيرة المرأة وآلامها داخل مُجتمع ذكوري لا يتعامل مع المرأة باعتبارها جسداً مُستقلاً بأفكاره عن الرجل، لكنْ وفق رؤيةٍ درامية تهجس بالتجريب الفنّي. وعلى الرغم من حضور المرأة في “دواير الزمان” عرضياً من خلال حكاية واحدة، فإن تأثيرها في النسيج الدرامي إلى جانب حكايات صغيرة أخرى جعلها تبقى موشومة في ذاكرة المتلقّي، لأنها تطرح أسئلة تتعلّق بالحب والجسد.
منذ بداية الألفية الثالثة، بدأت تُطالعنا أعمالٌ درامية تركب على بعض الموجات الاجتماعية التي تطاول البلد، لاستغلالها داخل العمل الدرامي، كما هو الأمر مع المرأة، ما جعلها أشبه بتقارير ميكانيكية تفتقر إلى الكتابة والتخييل، لأنّها مبنية على السعي وراء التنميطات الاجتماعية التي تحوّل العمل الدرامي إلى ذريعة بصريّة. وفي هذا الأمر قلبٌ للصناعة الفنّية التي ينبغي أنْ “تُعالج” كلّ شيء من داخل الصورة بدل الخطاب. فكيف يجوز إنتاج عملٍ دراميّ يفتقر إلى شروط الكتابة والتخييل؟
ما فعلته لميس خيرات في “جريت وجاريت” هو قلبٌ لهذه الرؤية التنميطيّة للمرأة، بعدما جعلت عملها أشبه بتكريم بصريّ خاصّ بالمرأة المغربيّة وشجونها. فعملت على تنويع أفق الحكاية، وفتح مسارب ضوءٍ يتسلّل منها خطاب بصريّ عَالم، لكنّه يبدو نقدياً داخل بعض المَشاهد الدرامية بالنسبة للرجل.

وحين تكتب خيرات المسلسل وتخرجه في الآن نفسه، فهو يُتيح لها فهم الأفق الفكري لخطاب المرأة، لكنْ مع إمكانية اشتباكه مع عنصر الصورة الدرامية التي تنقل الخطاب من التقريرية الفجّة صوب عالم الإبداع البصريّ. هنا يتدخّل الخيال بكلّ أبّهته، ليُمارس سحراً وفتنة على النصّ حتّى يصبح عملاً فنياً. ومع كلّ حلقة يتلمّس المُشاهد مدى حرص مؤلّفة “هاينة” (2020) و”هي” (2020) في الإيقاع الداخلي لخطاب المرأة، من خلال نماذج نساء يكافحن في عملهن ومع أزواجهن وأبنائهن حرصاً على تشكيل أسرة مُترابطة قوامها الحبّ والترابط، لكنْ مع ضرورة الإبقاء على الخطّ الفاصل بين الخطاب والصورة.
بهذه الطريقة تتحوّل المخرجة إلى “مايسترو” حقيقيّ، يتحكّم في المَشاهد وفق آليةٍ تقوم على تأصيل الخطاب وتنويع الشخصيات وجعلها تتحرّك درامياً داخل أفق بصريّ ينفصل عن الخطاب الأصل. وفي سبيل تحقيق هذه الخلطة الدرامية، عملت خيرات على تنويع شخصيات المسلسل بين الأسماء المخضرمة ونظيرتها الجديدة، مثل رشيد الوالي، ونعيمة إلياس، وسعاد خيي، ويوسف الجندي، وزينب عبيد، وناصر أقباب، وغيرهم. وهي أسماء فنّية تنتمي إلى أجيال مختلفة، وتتوزّع أعمالها بين التلفزيون والسينما، مما جعل أداءها متبايناً ومختلفاً، لكن بما يخدم سلّم المَشاهد ويحافظ على تصاعد وانخفاض ذروة الحدث الدرامي مع كلّ حلقة.

تصوّر خيرات شخصياتها بكلّ تفاؤل وإرادة، عاملةً على إظهار المجهود الذي تبذله المرأة في سبيل تحقيق عيشٍ كريم لها ولعائلتها. تبدو الشخصيات وكأنّها خارجة من مختبر تحديثي تعمل من خلاله على استئصال التقليد والدخول في معترك حداثة اجتماعية لا يتقدّمها الرجل، وإنّما يقودها فكرٌ يوميّ مفتوح على الحرية والإرادة من أيّ جهةٍ كانت. وتبرز قوّة هذه الشخصيات في قدرتها داخل بعض المَشاهد على الانغماس في عمق النصّ الدراميّ، مع إمكانية الحفاظ على معجم معاصر قريب من لغة المحكي اليوميّ في المغرب، بكلّ ما تعرفه من حمولاتٍ تاريخيّة وأخرى سطحية أحياناً.

شاهد أيضاً

ايطاتاا

“لا يزال هناك غدٌ”: تأمّل سينمائي في حال المرأة الإيطالية

تُنجر الممثلة والمخرجة الإيطالية باولا كورتيليزي، في “لا يزال هناك غدٌ” (2023)، إغواء مقاربة الواقع …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com