أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار / حوار مع الباحثة الموريتانية مكفولة بنت آكاط: ثقافتنا مجهولة عربياً
مكفولة

حوار مع الباحثة الموريتانية مكفولة بنت آكاط: ثقافتنا مجهولة عربياً

تُعدّ الدكتورة مكفولة بنت آكاط واحدة من أبرز الباحثين في موريتانيا. شغلت منصب وزيرة منتدبة مكلّفة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون مكلفة بالمغرب العربي عام 2008، ووزيرة منتدبة مكلفة بالشؤون الأفريقية والمغاربية 2014، والأمينة العامة للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في بلادها.

تعمل حالياً مستشارة لرئيس الوزراء، فضلاً عن قيامها بالتدريس في جامعة نواكشوط، كما ترأس “مركز محيط للمرأة والسلام”، وتعمل نائبة لرئيس “مجموعة السلام العربي”. حصلت على شهادة دراسات معمّقة في التاريخ الإسلامي وعلوم الاتصال، وكان عنوان رسالتها للدكتوراه: “دور النساء الصحابيات ونساء المدينة في مدوّنة الأحوال الشخصية.

صدر لها منذ عام كتاب “يوميات امرأة قارئة” عن “دار ورد” الأردنية . هنا حوار معها خلال زيارتها أخيراً للقاهرة.

بداية حدّثينا عن ملامح الثقافة الموريتانية الحالية.

-ظلّ المجتمع الموريتاني عبر التاريخ مجتمعاً نشطاً ثقافياً. وفي العادة ترتبط الثقافة بالاستقرار والتمدّن، ولكنها في موريتانيا كانت ثقافة راحلة تصحب الإنسان الموريتاني في بحثه عن الكلأ والمرعى، حيث كان يصطحب كتبه ومعارفه وأدوات إنتاجه الثقافي والعلمي حيثما حلّ وارتحل، وكان في أغلب الأحيان يحفظ علومه في ذاكرته.

في السنوات والعقود الأخيرة، كحال جميع الثقافات، تأثّرت الثقافة الموريتانية بالعولمة الطاغية، فتغيّرت وسائل حفظ المعلومات، وانتقلنا من الحفظ بالذاكرة إلى الحفظ عبر الغيمة الإلكترونية، وانتقلت الموسيقى إلى الفيديو كليب قبل سنين.

اليوم أصبح يُقاس عدد مشاهدات الأغاني الموريتانية على “اليوتيوب” مثلاً بالملايين من مختلف أرجاء العالم، وألزم ذلك المهتمّين بالثقافة بأن يكونوا حاضرين بشكلٍ أكثر قرباً من “مستهلكيها”، وصارت منصّات التواصل الاجتماعي وسيلةً لا غنى عنها لربط المثقّف بقرّائه.

ماذا عن سمات الثقافة المجتمعية بين السودان وموريتانيا ودور الدولة في دمجها اجتماعياً وثقافياً؟

تربط الشعب الموريتاني صلات ثقافية واجتماعية كبيرة بالسودان؛ فهناك تشابه في الشخصيّتين من حيث العادات والتقاليد، وتشابه في الملابس النسائية، ومشارب الفقه المالكي، والارتباط بالطرق الصوفية.

في الماضي كان السودان إحدى المحطّات لطريق الحج الشنقيطي، وهناك حصل الامتزاج الاجتماعي والثقافي؛ فمثلاً يوجد في العاصمة السودانية حيّ كامل باسم الشناقطة، كما ترأّس محمد صالح الشنقيطي أوّل جمعية تشريعية سودانية في الفترة من 1948 إلى 1953.

كيف ترين ملامح التحوّل لدى الأجيال الجديدة في الإبداع الثقافي الموريتاني؟

هناك ملامح تحوّل جليّة ومُلاحَظة لدى الجيل الجديد، منها ارتباطه بالعالمية مع نزعة تراثية واضحة؛ فمثلاً رغم الروابط الثقافية بين فرنسا وموريتانيا، فإن الجيل الجديد فضّل الارتباط بالثقافة الأميركية، فلا نجد فيهم مَن لا يتقن الإنجليزية بجهود شخصية، ويتعلّق بالحضارة الأميركية، مع اهتمام مُلاحَظ بالثقافة التقليدية، كالغناء والشعر الشعبي.

ما أسباب عدم المشاركة الموريتانية في الحياة الثقافية العربية؟

هذا سؤال ذو شجون؛ فنحن في موريتانيا نعتبر أننا نعاني من ظلم إعلامي مشرقي صاحَب موريتانيا منذ نشأتها إلى اليوم، وعلى الرغم من الحضور الثقافي اللافت في بعض الأحيان، من كتابة ونشر وتأليف ورواية وشعر وفكر، فإن كل ذلك ظلّ مجهولاً ومُتجاهَلاً من النخب والشعوب العربية، وهي ملاحظة قد تكون عامّة للأسف في عالمنا العربي؛ والقليل جداً مَن يكلّف نفسه الاطّلاع على ما يُنتَج في بلد آخر من البلدان العربية غير بلده الأصلي.

ماذا عن وضعية المثقّف في موريتانيا اليوم؟

لا مجال للحديث عن الثقافة بمعزل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يرى ميشال فوكو؛ فكما أن الثقافة قيم وسلوك حضاري؛ فهي في جوهرها إيمان بقدسية الحرية والكرامة كمشترك إنساني مقدّس؛ فالمثقّف شخص لا يختلف كثيراً عن غيره من أفراد مجتمعه سوى أنه حامي قيم الخير والعدل والحرية.

وفي موريتانيا قد يكون المثقّف أحسن وضعاً على مستوى الإنتاج والفكر والتعبير، نظراً للبيئة الديمقراطية الموريتانية، إلّا أن هنالك حاجة ماسة لإعادة قراءة التراث، وضرورة الفصل بين الدين والتاريخ، وعدم ارتهان النخب للعادات والتقاليد الاجتماعية، وتقديم التضحيات الحقيقية من أجل تغييرها.

ماذا عن دور المرأة الموريتانية في الحياة الثقافية والسياسية؟

المرأة الموريتانية لها حضور كبير في الواقع الموريتاني، وهو حضور بارز عبر التاريخ، وقد أثار ذلك الحضور الرحّالة ابن بطوطة حينما زار موريتانيا في القرن الرابع حيث قال: “كنَّ أعظم شأناً من الرجال”، ومع ذلك فإن النساء، خصوصاً في الوقت الحالي، مثقلات بالمهام الاجتماعية، كالبيت والإنجاب والتربية وتعدّد الواجبات، الشيء الذي يحدّ من إنتاجيتهنّ في المجال الثقافي.

فالثقافة عبارة عن أبحاث وكتابات وإنتاج فكري يتطلّب كثيراً من الوقت والتفرُّغ الذي قد لا يكون متاحاً للنساء بنفس القدر كالرجال، لذا كنت أعتقد دائماً أن المرأة التي تدخل الحقل الثقافي وتختاره ميداناً لها تتمتّع بقدرات استثنائية، أو هي “سوبرمان” كما يسمّيها طفلي الصغير، لا سيما أن المجتمعات لكي تتغيّر وتنطلق نحو الحداثة بحاجة إلى وجود النساء في الميدان الثقافي، لتغيير العقليات وتطوير البُنى الثقافية الأساسية للنهوض الاجتماعي.

ما توقّعاتك لمستقبل التعاون الثقافي العربي المشترك؟

أعتقد أن الوسط الثقافي العربي الآن تشوبه قُطرية مفرطة وخطيرة على العمل العربي المشترك؛ فعلى مرّ تاريخ أمّتنا كانت هناك انقسامات وتفرّق على المستوى السياسي، ولكن ظلت هناك وحدة ثقافية بين الشعوب العربية، فكانت “مجلة العربي” الكويتية مثلا تُقرأ في كل عاصمة، وكان مسلسل “ليالي الحلمية” يُتابع في كل بيت، وكانت أغاني سيد خليفة وأم كلثوم في كل جهاز، كما كانت أفكار محمد عابد الجابري تُناقش في كل المنابر، ولكن ما يسود الآن هو قطرية مفرطة ومزعجة ومقلقة على مستقبل العمل العربي المشترك.

إن الكلّ يغنّي على ليلاه، ولا يدري في الغالب عن الآخر شيئاً، وأعتقد أن التحوّلات الرقمية الحديثة ساهمت بشكل سلبي في ذلك، ورسّخت تلك القطرية ومفهوم الدولة القومية بدل المواطنة العالمية؛ فصار لكل مجتمع مشاهيره على “تيك توك” وباقي الوسائل، وهو مشغول بهم، وليس لديه الوقت لمتابعة الآخرين.

إن ذلك كله يجري بالتزامن مع الضعف الشديد الملاحَظ فيما يُطبَع ويُقرَأ في عالمنا العربي، مع تراجع دور النشر بشكل ملحوظ، وترك الكتاب المقروء مكانه للكتاب الرقمي أو المسموع، والثقافة بشكل عام تمّ تسطيحها والاستعاضة عنها بالترفيه، أصبحنا اليوم في زمن يعاني فيه المثقّف العربي الكثير من التحديات، والخروج منها يحتاج منّا إلى لفتة كبيرة للفضاء الثقافي تحسّن المنتَج، وتحمي مستهلكيه.

أين الفنّ التشكيلي والسينما والمسرح في الحياة الثقافية الموريتانية؟

الساحة الثقافية الموريتانية في فترة من أفضل فتراتها، ولكن ذلك مجهول للأسف من الإعلام العربي، ولا يجد الصيت عربياً، فقد فاز فيلم «تمبكتو» الموريتاني بـ”جائزة سيزار” الفرنسية، وهي جائزة ذات قيمة كبيرة، ولكن لم يتمّ تناول ذلك في أي وسيلة إعلام عربية. وبخصوص المسرح لا يخفى عليكم ما يعانيه المسرح عموماً في السنوات الأخيرة، ليس في موريتانيا فقط، لكن الرغم من ذلك، لا تزال هنالك محاولات من بعض الشباب مع ما يعانونه من تحديات وصعوبات.

أما الأدب والشعر فهما متميّزان في الساحة الثقافية الموريتانية، ولكن ذلك مجهول للأسف من الإعلام العربي، ولا يجد الصيت عربياً، وفي سنة 2020 فازت رواية “الردَّة” بـ “جائزة نجيب محفوظ”، كما فازت في نفس السنة رواية “وادي الحطب” بجائزة “كتارا” الأدبية، وفي هوليوود تمّ إنجاز فيلم الموريتاني الذي يتحدّث عن السجين الموريتاني في غوانتانامو، وهو فيلم دولي كبير رُشّح للعديد من الجوائز، لكن لم يتكلم أحد من إخوتنا العرب والمثقّفين عن ذلك.

من هنا أقول إن موريتانيا ليست غائبة، ولكنها مُغيَّبة وتعاني من جهل إعلام ونخبة المركز لإمكانات ومواهب الأطراف.

لأيّ سبب تعزين تراجع المشاريع الفكرية؟

نعيش في عصر يختلف في كل شيء عن الفترة التي تمَّت فيها تلك المشاريع، وعلى الرغم من تحفّظي عليها، أضافت وحلّلت وناقشت الفكر العربي والإسلامي من خلال التراث، وتناست المستقبل، واستبعدت الاستشراف، وتغافلت عن التفكير في المستقبل والمستجدّات، وهما الأهم في نظري.

نحن الآن نعيش إشكالات غير قضية النقل والعقل والحكمة والشريعة والأصالة والمعاصرة؛ فإشكاليات عصر التقنية تستهدف إنسانية الإنسان. نحن الآن نعيش إبداعات سهّلت الحياة وعقّدتها في الوقت ذاته؛ زمن يتسارع لفقدان هوية الإنسان بشكلٍ عام، والمشروع الناجح هو الذي يطرح الحلول، ويستشرف كيف لنا كمجتمعات عربية، لها هويتها الخاصّة، وخصوصيتها الثقافية، أن تساير الحاضر، وتشارك في صنع المستقبل بآليات العصر، من دون التخلي عن ذواتنا وهوياتنا. تلك هي المشاريع المفقودة في الوقت الحاضر، التي من شأنها أن تملأ الفراغ الراهن.

*المصدر..القاهرة-حمدي عابدين
الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

ايطاتاا

“لا يزال هناك غدٌ”: تأمّل سينمائي في حال المرأة الإيطالية

تُنجر الممثلة والمخرجة الإيطالية باولا كورتيليزي، في “لا يزال هناك غدٌ” (2023)، إغواء مقاربة الواقع …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com