أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار / نساء في تونس..الورقة الرابحة بيد الأنظمة السياسية
تونيابتيات

نساء في تونس..الورقة الرابحة بيد الأنظمة السياسية

من المهم عدم تجاهل الأسباب والمواقيت التي تقرر فيها النخبة الحاكمة تحسين حال المرأة في تونس. لكن الأهم أيضًا عدم التغاضي عن تاريخ هذه النخبة الحافل بالأبوية المفرطة أو العدائية تجاه المرأة التونسية.
لسنتين متتاليتين، تستر النساء التونسيات «عورات» الباجي القايد السبسي الرئيس التونسي الحالي وزبانيته، وتقيهم من وهج نار الضوضاء التي يزيد اتقادها استنكارًا لانعدام كفاءة الحزب الحاكم وغياب الريادة السياسية للمضي بالبلاد قدمًا. حدث ذلك مرتين، كانت الأولى عند منح المرأة الحق في الزواج بغير المسلم. وتمثلت الثانية في إرساء حق المساواة في الإرث بين الجنسين، ولو أنه جاء محتشمًا مع إعطاء السبسي الحق لأولياء الأمر في الاختيار بين تطبيق القانون من عدمه.

في كل مناسبة تعلو عندها هتافات الشعب المنتقدة للحكم أو المطالبة بتحسين ظروف العيش، يمسك السبسي، رئيس حركة نداء تونس، ومن سبقه بيد المرأة جاعلًا منها درعًا يمتص حدة الاضطرابات السياسية. فبها يشتت نظر الأغلبية ليلهيها عن الأساسيات بتلك الأمور، التي تخص شؤون المرأة، «البيدق» الذي ليس له لا حول ولا قوة.

ولو أن هذه القوانين قد حلت محل استحسان وكانت ذات أهمية للعديدات منا، إلا أن الهدف الأساسي وراء اقتراحها لم يكن حبًا بالتونسيات أو وعيًا بأهمية تمكينهن والمساواة بينهن وبين الرجل.

فقد جاءت جل هذه القوانين للتغطية عن القضايا الأكثر جدلية المرتبطة خاصة بتقاعس الدولة وتورطها، فيما من شأنه الإطاحة بالحكم أحيانًا. هي استراتيجية التضليل والتلاعب التي لطالما انتهجتها الدولة للتغطية عما هو أدهى، مثلها مثل تلك التي حاولت من خلالها تشتيت الرأي العام عن قضية الموارد الطبيعية التي تستبيحها دول الاستعمار السابقة والشركات العابرة للقارات. حيث بالغت بشكل واضح في استعمال فزاعة الإرهاب كلما فتح البعض دفاتر البترول الذي تفرط به الدولة، وتدّعي عدم وجوده من أصله. فإثر واقعة سوسة الإرهابية سنة 2015 مثلًا، خرج علينا السبسي بكل استصغار واستبلاه لينهرنا عن المضي وراء شعارات «وينو البترول»، داعيًا إيّانا للالتفاف حول قضايا أكثر حرقة، مثل الأمن والأمان.

ما إن تجاوز التونسيون رهاب فزاعة الإرهاب، حتى لجأ أصحاب مراكز القوة للطرف الذي لطالما كان المفعول به في معادلات سياسية شتى: المرأة.

دون إدراك هذا التلاعب، لا يمكن فهم كيف تمنح كل هذه الامتيازات لنفس المرأة التونسية، التي كادت تفقد حتى حقها البسيط في المساواة مع الرجل أيام حكومة الترويكا الائتلافية (التي ترأسها حزب حركة النهضة بعد الثورة).

صادق مجلس الوزراء التونسي في شهر يناير 2019 على مشروع قانون يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث ليتبقى بذلك أمام القانون المثير للجدل الخطوة الأهم وهي موافقة البرلمان عليه.ويقول مشرعون تونسيون إن القانون سيكفل الحرية للشخص في طريقة توزيعه للميراث سواء وفقاً للآية القرآنية التي تحدد نسبة كل فرد في العائلة، أو وفق القانون الجديد بالتساوي بين الرجل والمرأة.
من المهم عدم تجاهل الأسباب والمواقيت التي تقرر فيها النخبة الحاكمة تحسين حال المرأة في تونس. لكن الأهم أيضًا عدم التغاضي عن تاريخ هذه النخبة الحافل بالأبوية المفرطة أو العدائية تجاه المرأة التونسية.
مخاوف على ترسانة الحقوق والحريات

ففي تلك المرحلة التي جرت خلالها مراجعة الدستور، اقترح أعضاء عن حركة النهضة استبدال عبارة «مساوية للرجل» بـ«مكملة له»، مما أثار المخاوف على ترسانة الحقوق والحريات التي كفلها لنا الدستور طيلة نصف القرن الماضي. فقد يكون المقصود من تكميلية المرأة للرجل ذلك العمل الذي تقوم به في حدود الخاص، أي في البيت لا أكثر. بعد احتجاجات ملأت شوارع العاصمة في صيف 2012، حُسِم الأمر بالإبقاء على الصياغة الأصلية من دستور 1956.

تزامن قانون زواج التونسية من غير المسلم مع طرح أكثر القوانين جدلية بعد الثورة للنقاش، ألا وهو قانون المصالحة مع رموز الفساد في العهد البائد. ففي أيلول/سبتمبر سنة 2017، صادق مجلس النواب على هذا القانون الذي يتعارض مع روح الثورة التونسية، فاتحًا الأذرع لرجال الأعمال المتورطين في جرائم الفساد التي قادت التونسيين إلى ثورة الكرامة في كانون الثاني/يناير 2011، ليبيض صفحتهم ويطبّع معهم.

وبعد يوم من المصادقة على هذا القانون، انتهز السبسي الفرصة لإعلان قانون السماح للمرأة بالزواج بغير المسلم، مستعينًا بنا لتشتيت الغضب العام، رغم أن هذا القرار في نظري سليم ولا تشوبه شائبة ما عدا توقيته. وبالطريقة نفسها، أقرت الحكومة مشروع قانون المساواة في الإرث بعد يوم واحد من إضراب عام لموظفي القطاع العمومي احتجاجًا على تجميد الأجور.

من المهم عدم تجاهل الأسباب والمواقيت التي تقرر فيها النخبة الحاكمة تحسين حال المرأة في البلاد. لكن الأهم أيضًا عدم التغاضي عن تاريخ هذه النخبة الحافل بالأبوية المفرطة أو العدائية تجاه المرأة، والسبسي في مقدمة هذه النخبة. إذ من غير المعقول أن تصدر هذه الإرادة السياسية من الشخص نفسه الذي تهكم على النساء في حملته الانتخابية، حين رد على انتقاد عضو حزب النهضة، محرزية العبيدي، التي اتّهمته بالتساهل مع حزب أنصار الشريعة المتشدد، في فترة حكمه الأولى، بالقول على الهواء مباشرة «ما هي إلا مرا»، أي أنه لا يعطي ما قالته العبيدي أي اهتمام، فهي تبقى مجرد امرأة.

أما في مناسبة أخرى، وهو في خضم حملته الانتخابية أيضًا، فقد صرخ في وجه صحافية كانت بصدد القيام بعملها، آمرًا إياها بأن «تروح ترهّز»، هو تعبير تونسي بذيء قديم، يعكس كبر سن السبسي الذي ما عاد يحتمل أعباء السياسة، ويعني أن «تذهب لتضاجع أحدهم» عوضًا عن أن تتسبب له بصداع بمقاطعته. لا بل استطرد السبسي يسألها عن حيائها مشككًا فيه، كونها كانت قد قاطعته وهو بصدد استحضار كلام الله، فقد كان يقتبس سورة قرآنية.

 

ولا يقتصر هذا التبخيس من النساء الأمر على استعمالهن لتغليف الأوجه البشعة للواقع التونسي، بل يتمثل كذلك في الإرادة الدائمة لتقلد دور أبوي تجاههن، يعود بالمديح والشكر على نخبة من الرجال الذين يبطنون غير ما يظهرون للمرأة. فالتاريخ التونسي النسوي عمومًا يرزح تحت الهيمنة الأبوية السياسية.

بدأت هذه الهيمنة بسياسة بورقيبة ونسخته النسوية الاستعلائية التي، وإن ميزت التونسية عن باقي النساء بالعالم العربي، إلا أنها قد أسكتتها ولم تترك لها مجالًا لتستقل بفكر نسوي عضوي، لا بل أجهضت تطور أي حراك ينقد أو يطوّر أو يثمّن ما تتمتع به المرأة التونسية اليوم.

*المصدر/قنطرة

شاهد أيضاً

ايطاتاا

“لا يزال هناك غدٌ”: تأمّل سينمائي في حال المرأة الإيطالية

تُنجر الممثلة والمخرجة الإيطالية باولا كورتيليزي، في “لا يزال هناك غدٌ” (2023)، إغواء مقاربة الواقع …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com