أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار / نعمت مختار… “المرأة التي غلبت الشيطان” وهجرت الشهرة والنجومية
نعمت مختار
نعمت مختار

نعمت مختار… “المرأة التي غلبت الشيطان” وهجرت الشهرة والنجومية

* هربت مع أمها من خلافات الأسرة إلى خلافات العالم الخارجي
* بدأت رحلتها في التمثيل مع نعيمة عاكف في “فتاة السيرك”
* أطلقت عليها أم كلثوم لقب “سيمفونية الرقص الشرقي”
* بليغ حمدي اكتشف صوتها فلحن لها والأطرش طلبها في حفلاته
* وجدت في ابنها طوق النجاة فاعتزلت لأجله وتفرغت لعبادة الله

 

بريق الشهرة والأضواء رئة يتنفس بها الفنانون، لذا يضحون بالكثير، بل يقاتلون من أجل البقاء في هذه الدائرة، حيث المال وحب الجمهور وتهافت علية القوم عليهم، وعندما يقرر البعض، خصوصا الفنانات، الابتعاد والتضحية بكل هذا، سواء بسبب ارتداء الحجاب أو الاحتجاب طواعية أو رغما عنهن، فلابد أن تكون هناك قصة تستحق أن تروى، لذلك نفتح ملف “فنانات بين الحجاب والاحتجاب”، عن بعض من ضحين بالأضواء والشهرة لأسباب عدة، حتى إن عادت بعضهن.

تعد من أولى الفنانات اللاتي احترفن الرقص الشرقي، وأصبحت من علامات الاستعراض، تربت في منزل فني لا تهدأ فيه أجواء الرقص، فنشأت متشبعة بحبه، مثلت وغنت وأنتجت، لها بصمات وجمل حوارية علقت في ذهن المشاهد، فهي صاحبة عبارة “رجب حوش صاحبك عني” في رائعة نجيب محفوظ “ثرثرة فوق النيل”، واشتهرت بكونها “المرأة التي غلبت الشيطان”، أطلقت عليها كوكب الشرق أم كلثوم لقب “سيمفونية الرقص الشرقي”، قالت عنها فيفي عبده إنها المرأة التي جعلتها تعشق الرقص، ورغم كل ما وصلت إليه إلا أنها وفي عز شهرتها اعتزلت الرقص والتمثيل، لتعيش حياة هادئة بعيدا عن الأضواء وتكاد تكون الوحيدة التي لم تصاحبها الشائعات بعد اعتزالها فقد تغير اسمها من الراقصة نعمت مختار إلى الحاجة نعمت مختار.
ولدت نعيمة عبده محمد الشهيرة بنعمت مختار، في 16 نوفمبر 1932 بمحافظة الاسكندرية، هربت أمها من جحيم المشاكل العائلية، خصوصا بعد أن حصلت على الطلاق من زوجها، فاختطفت ابنتها “نعمت” وفرت إلى المنصورة، ثم إلى بورسعيد بعيدًا عن عائلة زوجها وأيضا عن عائلتها بالقاهرة التي كانت أيضا على خلاف معها، عاشت في بيت نبوية سليم أشهر “عالمة” في بورسعيد وصديقتها الوحيدة، التي تمتلك فرقة استعراضية في هذا الوقت لإحياء حفلات وجهاء وأعيان البلد.
بمرور الوقت هدأت الأمور في نطاق العائلة، فقررت الأم العودة إلى القاهرة، لكنها خشيت من تجدد الخلافات وخوفا من زوجها السابق الذي يهددها بأنه لن يترك لها “نعمت”، تركتها في رعاية الست نبوية، ما دفع البعض للاعتقاد بأنها ابنة نبوية، خصوصا أنها كانت ترافقها دائمًا من وإلى المدرسة، وفي المدرسة اكتشفت الست الناظرة أن الطفلة الصغيرة تجيد الرقص، فكانت تُحضرها لغرفتها وتشجعها على الرقص، ولأنها كانت تعشق هذا الفن فقد كانت تساعد في تعليمها وتشجعها وتقربها منها وتحتويها بحبها، هنا بدأت الطفلة الصغيرة تدرك أن الرقص سيكون له أهمية كبيرة في حياتها، فأحبته أكثر، خصوصا أنها تعيش في عالمه ليل نهار، وكل يوم تتعلم فيه شيئا جديدا من الراقصات اللاتي تراهن، بجانب موهبتها، فساعدها ذلك أن تجيد الرقص والاستعراض منذ نعومة أظفارها.
في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، لحقت نعمت بوالدتها في القاهرة، وكان عمرها اقترب من العشرين عاما، فتاة يافعة، تسحر العيون التي تراها، وعندما سافرت إليها وجدتها تسكن في شارع محمد علي، مقصد كل الفنانين، ففيه تقيم الفرق الغنائية والموسيقية وفرق الرقص والراقصات على اختلاف درجاتهن، كما يضم محلات مختلفة لبيع الآلات والأدوات الموسيقية، ساعدها وجودها وسط هذا الشارع العريق، وهذه الأجواء المتشبعة بالفن في العمل كراقصة، ورغم أنها كانت تحلم بأن تكون ممثلة ولا ترغب في العمل بالرقص، لكن ظروف الحياة وصعوبة المعيشة اضطرتها لأن تقبل العمل كراقصة في الكازينوهات، وإلقاء المونولوغات، إذ كانت تتمتع بصوت مميز وحضور طاغ، ظلت تتنقل من مكان لمكان إلى أن تعرفت على الريجسير قاسم وجدي، الذي أُعجب بها جدًا وبموهبتها في الرقص والمونولوغ، فدعمها وكان السبب في عملها بالتمثيل، عندما أخذها إلى المخرج حسين فوزي، الذي كان يستعد لإخراج فيلم “فتاة السيرك” بطولة نعيمة عاكف، أجرى لها اختبار كاميرا، لفتت خلاله انتباه المخرج بعفويتها وذكائها وموهبتها، فأسند لها على الفور دوراً في الفيلم بعدما نجحت بتفوق.
بعد ظهورها في هذا الفيلم، تهافت عليها متعهدو الحفلات والكازينوهات وأمام إغراءات المال واصلت رحلتها في الرقص والتمثيل، حيث ظهرت مرة أخرى كممثلة في العام 1953 من خلال فيلم “حميدو” أمام فريد شوقي وهدى سلطان ومحمود المليجي، لتتوالى أعمالها، ففي فترة الخمسينات شاركت في العديد من الأفلام منها “قرية العشاق، الانسة حنفي، الفارس الأسود، إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، صحيفة سوابق، كفاية يا عين، بين القصرين، لن أبكي أبدا، ابن حميدو، مجرم في إجازة، حب ودلع “، ومع كل فيلم كانت تتألق أكثر وتزيد مساحة مشاركتها في أعمالها ويتقدم اسمها في ترتيب الأسماء على الشاشة، وهذا تؤكده أعمالها في فترة الستينيات حيث شاركت في أفلام “مال ونساء، رجال في العاصفة، الفرسان الثلاثة، مذكرات تلميذة، كلهم أولادي، المشاغب، الزوج العازب، الحياة حلوة، فارس بني حمدان، الراجل ده حيجنني، عدوية، ابن شيطان”، ورغم هذا التألق لكنها في فترة السبعينات بدأت تنتقي أعمالها فشاركت فقط في “صراع مع الموت وثرثرة فوق النيل وحمام الملاطيلي” ثم اتجهت أيضا للإنتاج فقدمت أشهر أفلامها، الذي قامت ببطولته أمام نور الشريف “المرأة التي غلبت الشيطان”.
رغم تعدد أدوارها إلا أن لها أدوارًا لا تُنسى ولا يزال الجمهور يتذكرها كلما ذكر اسمها، مثل دور “زنوبة” في “بين القصرين”، دور “سنية” في فيلم “ثرثرة فوق النيل”، وهو الدور الذي قالت فيه عبارتها الشهيرة “رجب حوش صاحبك عني”، ويحسب لمخرج الفيلم حسين كمال أنه استطاع تقديمها بشكل مختلف عمن تعامل معها من المخرجين قبله الذين كانوا يتعاملون مع أنوثتها المتفجرة بشكل سطحي أو تقليدي، فاستطاع كمال أن يظهر جانبا خفيا منها، ليفتح الطريق أمام المخرج صلاح أبو سيف فيقدمها بشكل مختلف ومبهر في فيلم “حمام الملاطيلى”، ليصبح من أبرز وأهم أدوارها بالسينما، علاوة على بطولتها المطلقة لفيلمها الأخير “المرأة التي غلبت الشيطان” إخراج يحيى العلمي، قصة توفيق الحكيم.

بصمة واضحة
وطوال رحلتها مع التمثيل كان تألق نعمت يزداد في الرقص الذي تركت فيه بصمة واضحة، ما جعلها واحدة من راقصات الصفوة، حتى أن السيدة أم كلثوم كانت تدعوها بـ”سيمفونية الرقص الشرقي”، وكان الفنان فريد الأطرش يصطحبها معه في جميع حفلاته لما لها من حضور وطلة تختلف عن مثيلاتها.
ما لا يعرفه الكثيرون أنها متعددة المواهب فهي بجانب إجادتها للرقص الاستعراضي والشرقي والتمثيل كانت تملك صوتا عذباً، إلا أن أحدا لم يكتشف هذا الأمر سوى الموسيقار بليغ حمدي، الذي منحها لحنا يناسب صوتها، وطلب من الشاعر عبدالسلام أمين أن يكتب لها كلامًا مفعما بـ”الدلال”، وبعد محاولات عدة وقع اختيار بليغ على أغنية “من عينيا”، التي حققت نجاحا باهرا، ولم يكن لها تجارب أخرى في الغناء إلا استعراض غنائي راقص قدمته في فيلم “المشاغب”، الذي شاركت فريد شوقي بطولته العام 1965، حيث قدمت أغنية “حب ودوب” للشاعر فتحي قورة ولحن محمود الشريف.
لم تكن حياة الفنانة نعمت مختار عادية، بل كانت تفتقر للاستقرار اجتماعياً، فقد تزوجت ثلاثة مرات وباءت محاولتها في الحفاظ على الأسرة بالفشل لظروف خارجة عن إرادتها، كانت أولى زيجاتها من المخرج نيازي مصطفى، الذي أحبها كثيرًا، وكان يبكي كالطفل خوفاً على فراقها، ورغم ذلك انتهت الزيجة بعد شهر واحد فقط، بسبب فارق العمر الكبير بينهما، وكان يقول لها: “أنا خايف يا نعمت تضيعي مني”، الزيجة الثانية كانت من الفنان محمود المليجي، ولم تستمر كثيراً أيضا بسبب تدخل زوجته الأولى علوية جميل، وإجبارها المليجي على تطليقها، ثم تزوجت بعده لواء شرطة، أحبها كممثلة، وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد.
ولأنها كانت مثل أي أنثى تبحث عن الحب والاستقرار وتأمل أن تؤسس أسرة ويكون لها أطفال وزوج، خصوصا بعد ما عانته منذ طفولتها من مشاكل وأزمات شكلت وجدانها وجعلتها تقدس الحياة الأسرية وتميل للهدوء. فما ان انجبت ابنها حتى شعرت بأنها عثرت على الأمان والسلام الداخلي، ولم تتردد وقررت التفرغ له والابتعاد عن الفن والأضواء تماماً وهذا سبب اعتزالها المفاجئ، حيث اعتبرته هدية الله لها بعد مشوار حياة ملئ بالإخفاقات والانتصارات والفشل والنجاح، لكنها عندما نظرت في عينيي ابنها اكتشفت أن كل سعيها وركضها وراء الشهرة والمال والمجد لا يمثل قيمة بجوار نظرة منه أو أمام كلمة “ماما”، لذا لم يكن قرار اعتزالها بالصعوبة التي يتصورها البعض، لأنها وجدت في ابنها “محمد” طوق النجاة من معترك الحياة، فلم تتردد وأدارت ظهرها لكل ما مر عليها وتفرغت لبيتها وابنها، حتى تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وأصبح حاليا من رجال الأعمال، وظلت بعيدة تماماً عن الأضواء طوال فترة اعتزالها حتى اليوم.

موقف وطني
ورغم هذا الاعتزال إلا أنها لم تذم يوما في الرقص، فدائما تؤكد أنها بدأت من الصفر حتى استطاعت أن تجعل لها بصمة في عالم الرقص والاستعراض، في إشارة إلى أن الطريق لم يكن ابداً مفروشاً بالورود، حيث قالت: “لا اندم ولا أتنكر من أنني كنت راقصة، بل على العكس يشرفني أنني بدأت راقصة بعدما أغلقت في وجهي كل الأبواب، وليس غريبًا أن أقول هذا، ولكني رقصت رغم أنفي بحثا عن لقمة العيش، ومن حق الجميع أن يعرفوا مدى الشقاء والمعاناة التي كنا نعيشها كفنانين في تلك الفترة الأليمة لنصبح فيما بعد أسماء لامعة يحسدنا البعض على الشهرة ويتصورون أن نجاحنا جاء على طبق من فضة، ورغم عدم ندمي على احترافي الرقص، لكني اعتبر اللحظة التي ابتعدت فيها عن الرقص ميلادي الحقيقي في هذه الدنيا الفانية”.
بعد اعتزال الرقص شعرت نعمت بأنها استردت حياتها، وأنها تعيش مع الله أجمل أيام حياتها، ورغم اعتزالها الرقص لكنها واصلت رحلتها مع التمثيل والإنتاج لفترة قبل أن تعتزل نهائيا، وحاولت خلال تلك الفترة أن تقدم أعمالا تخدم دينها، وتقول كلمة صادقة تصل إلى الناس، لإيمانها بأن الفن الهادف يقوم السلوك والأخلاق وينهي عما حرم الله، مؤكدة لمن يدعي أن الفن حرام بأنه لم يكن يوما كذلك والدليل على ذلك أن عشرات المسلسلات الإسلامية والتاريخية التي نشاهدها على الشاشة أقرها الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وكلها تخاطب العقول والقلوب، وتوضح أمورا كثيرة في الدين والدنيا يكون الناس في أشد الحاجة إليها، فعندما قدمت فيلم “المرأة التي غلبت الشيطان” كشفت من خلاله للناس سماحة الدين وكيف أن أبواب الرحمة مفتوحة في كل وقت.
لم تكن لنعمت أي ميول سياسية، ولم تحتك يومها بها، لكنها وفي أحد حواراتها كشفت أنها قامت بدور وطني لم يكن يخطر ببالها، حيث وافقت طواعية على إخفاء وجيه أباظة أحد ضباط ثورة يوليو 1952 في بيتها خدمة للثورة والنظام وعن ذلك تقول: “لم تكن لى أي علاقة بالسياسة في حياتى، وكنت دائما بعيدا عن رجال السلطة، وكنت أخطئ في أسمائهم، لكن هناك موقفا مع وجيه أباظة لا يمكن أن أنساه أبدا، ففي العام 1956 أيام العدوان الثلاثى على مصر فوجئت بأحد يطرق باب شقتي في الدقي وكانت عقارب الساعة قد قاربت على الرابعة فجرا، فتحت الباب فإذا برجل يرتدي بالطو أزرق ويقول لي: أنا وجيه أباظة قائد الجناح ـــ حتى اليوم لا أعرف يعني إيه قائد جناح. بذوق وبأدب قال: لو البلد احتاجت لخدمة منك يا نعمت ماذا تفعلين؟، قلت روحي وقلبي لبلدي، قال: أنا عايز منك خدمة أنا مضطر للبقاء عندك هنا لفترة غير محددة والمفروض ألا يعرف أحد أنني هنا، ومن الممكن أن يكون معي أحد الأشخاص الآخرين. قلت له بيتك ومطرحك، وتركت له الشقة وذهبت عند أمي بعد أن أعطيت للعاملين بالبيت إجازة وتأكدت من أن كل ما يلزم للإعاشة موجود بالبيت، حتى لا يدخل غريب الشقة ويتعرف على وجيه أباظة. مكث وجيه يومين فقط في بيتي ثم شكرني ورحل، عرفت بعد ذلك أن البلد كانت تمر بظروف قاسية والوضع كان يتطلب إدارة شؤونها بعيدا عن المقرات المعروفة للحكم والاختفاء عن الأعين مؤقتا لمواجهة العدوان الذي وقع فجأة دون إنذار.
منذ قرارها بالاحتجاب والاعتزال والفنانة نعمت مختار أو الحاجة نعمت كما يناديها المقربون منها تعيش حياة هادئة، تسخر فيه كل وقتها للصلاة والعبادة وقراءة القرآن، وبين وقت وآخر تذهب لأداء العمرة، هجرت عالم الأضواء ورفضت إجراء أية مقابلات تلفزيونية أو صحافية بعد أن وجدت راحتها في مرافقة المصحف والصلاة والدعاء، لإدراكها أن الحياة فانية ولابد أن تقتنص فرصة الحياة للتقرب إلى الله والاستعداد للآخرة، لذلك تواظب على أداء العبادات في وقتها لنيل رضا الله عز وجل.

*المصدر/ القاهرة – أمل زيادة/ السياسة 

شاهد أيضاً

اردنيات

الأردن..تمكين المرأة يواجه تحديات في بيئة العمل وبناء القدرات

أظهر تقرير سير العمل في الربع الأول من البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، وجود تحديات …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com