أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار / حوار مع الدكتورة رنا القاضي: وضع المرأة في السعودية اليوم فاق التوقعات
رنا القاضي

حوار مع الدكتورة رنا القاضي: وضع المرأة في السعودية اليوم فاق التوقعات

سيدةٌ سعوديّةٌ تعشق التراث بكل ألوانه، ولدت في مدينة الخُبَر بالمنطقة الشرقية، ودرست الهندسة المعمارية في جامعة الملك فيصل بالدمّام، زارت جميع مناطق المملكة العربية السعودية ما شكّل لديها موروث ثقافي غزير، ليترك بصمة في داخلها مع ظروف حياتية استثنائية جعلتها نموذجاً لسيدة يحتذى بها..اليوم نتحاور مع الدكتورة رنا القاضي، لنتعرف إلى المزيد من مسيرتها الشخصيّة والمهنيّة.

دكتورة رنا القاضي مسيرةٌ علميةٌ ومهنيةٌ يفتخر بها، حدثينا عنها بإيجاز.؟

حرصت المرأة السعودية، خلال السنوات الأربعين الماضية، على الاستفادة من أي فرصة عمل، ليكون لها تأثير فعال في المجتمع، وعلى الرغم من قلة الفرص، فإنَّ المحاولات المتتالية صقلت شخصية المرأة اليوم عندما سنحت لها فرص التمكين.
وبالنسبة إلي، فقد كنت تلك الابنة المطيعة والطالبة المجتهدة التي لا تحيد عن نهج اتباع العادات والتقاليد وتفادي المحظورات الاجتماعية، وعلى الرغم من ارتفاع سقف طموحي وإرادتي المستمرة لترك بصمة في المجتمع، فإنني حرصت على استخدام أساليب الإقناع عند كل نافذة أمل جديدة تساعدني في تحقيق أهدافي، متفادية، بكل حيطة وحذر، عصيان العادات المجتمعية، مع الإصرار على تعزيز أي تغيير إيجابي يبرز المرأة في مجال عملها، حتى تغلّب شغفي على الكثير من المصاعب والمعوقات على امتداد فترة عملي المهنية.
كل تلك الخصال جعلتني أحظى بمباركة والديّ طيلة مسيرة عملي، التي مرت بمحطات مختلفة، وتطلبت مواجهةً مستمرةً لأحكام المجتمع الناقدة، بدءاً من دراسة تخصص الهندسة المعمارية الذي افتقد الثقة بالنساء في مرحلة سادت فيها النظرة الذكورية لهذا التخصص؛ ليتقبل المجتمع إضافة التاء المربوطة إلى كلمة مهندس.
ماذا عن عملك في قطاع البترول والتحديات التي واجهتك؟
من التحديات التي واجهتني خلال العمل في قطاع حقول البترول ارتباطه بخشونة الرجال، التي وضعتني أمام الكثير من الأحكام المجتمعية اللاذعة، فالمهن المقرونة بالمهندسة السعودية كانت لا تتعدى الرسم والفنون الجميلة في تصور المجتمع آنذاك، إلا قلة من المجتمعات في مكان إقامتي بالمنطقة الشرقية، التي دعمت فرص المرأة في مجال العمل، فأذنت لبناتها للعمل في شركة أرامكو السعودية، التي كانت معايير قبولها صعبة جداً، وتتطلب مهاراتٍ هندسيةً متخصصةً، وقد كنت من تلك المجموعة الطموحة.
لم تكن البيئة المختلطة مستحسنة اجتماعياً، ولم تكن كل الشركات مهيئة لوجود امرأة عاملة في سوق العمل؛ لذلك كان مكان العمل المختلط غير محبذ لدى شريحة كبيرة من المجتمع، وكنت من القلة اللاتي قُبِلْنَ في مجال قطاع الصناعة وإنتاج البترول، في مرحلة محدودية وجود النساء في محيط المصافي ومعامل التكرير. عيّنت حينها كرسامة معدات بترولية بسبب إجادتي لاستخدام برامج الرسم الهندسية، كنت المرأة الوحيدة آنذاك في مبنى تدريب التقنيين المختص بكتابة ورسم مناهج إنتاج البترول، وكان مقرّه في مصفاة «رأس تنورة»، وهي أول مصفاة نفط في المملكة العربية السعودية.
تلقيت تدريباً مكثفاً من قبل الشركة للوصول إلى التطوير المهني الذي يتناسب مع معايير الشركة، وكانت تلك البداية هي مرحلة تشكيل مهاراتي، وصقل شخصيتي المهنية، واكتساب الخبرة الفعلية.
ثم بعد ذلك، كانت رحلة السفر إلى الخارج لاستكمال الدراسات الجامعية، التي كان لها النصيب الأوفر من النقد بعد موافقة والديّ على السفر والدراسة في الخارج، فالاعتماد على الذات في المعيشة والعمل والإنفاق كانت من مسؤوليات الرجال، والمرأة، دائماً ما، كانت تابعة للرجل، ومقيدة بمسؤوليات الأسرة آنذاك. أما المسؤولية الأحادية في مجتمع مرفّه لم تكن شائعة في السابق.
إن خوض كل تلك التجارب ساعدتني لأكون ما أنا عليه الآن، فما أملكه من عزيمة وإصرار لم يتوقف منذ نشأتي، ومواجهة المعوقات والمصاعب أصبحت جزءاً غير مفصول من سلسلة التطور والتغيير خلال فترة حياتي المهنية.لم يكن الهدف من الدراسة الجامعية الحصول على وظيفة، وإنما تطوير الذات معرفياً
الفنون هي اللغة المشتركة لإبراز هوية المملكة

سبب دخولك مجال الهندسة المعمارية.. في وقت لم يكن متاحاً في كل مناطق المملكة، وكيف نجحت في ذلك؟
عندما أعود بعجلة الزمن إلى الوراء، وأتذكر مشاعري نحو التعليم سابقاً، أتذكر أنّ الدراسة الجامعية لم يكن الهدف منها الحصول على وظيفة، وإنما تطوير الذات معرفياً، فنوع الوظيفة، أو مكانها، كان مرتبطاً بالفرص، وليس بالمهارات أو الكفاءة المهنية؛ لأن واقع الحياة العملية لم يثق بالمرأة بالقدر الكافي ليتقبلها في مجالات العمل المختلفة. كانت أحلامي محصورة في المسموحات، وليس الممنوعات؛ ما جعلني أنظر إلى الحياة بقصر نظر من دون سبق للأحداث أو التغييرات المستقبلية. وعلى الرغم من أن آمال التغيير كانت سديمية في ذلك الوقت، فإنّ اليأس لم يدخل البتة ضمن سلسلة حياتي المهنية، فقد كنت غالباً ما أحاول الاستفادة من أي ظرف أو حدث أو فرصة.
من الداعم لك، الذي شجعك على دخول هذا المجال؟
حرص والدي على أن أكمل الدراسة الجامعية بعد المرحلة الثانوية مباشرة، فقد كان المتعارف عليه اجتماعياً أن تتزوج الابنة لتكّون عائلةً، وتتولى مسؤولية أبنائها وأسرتها، وكثيراً ما كانت تتكرر في المجالس والأحاديث مقولة: «المرأة مملكة المنزل» كلما ذكر دورها، ولم تُعّرف مهنياً بأي لقب أو أوصاف لامتثال دورها الأساسي في تصور المجتمع باعتبارها مربيةً ومسؤولةً تجاه زوجها وأبنائها، إلا نسبة قليلة من النساء اللاتي كن يعددن التعليم أولوية من أولويات دورة الحياة وليست ثانوية، بل على عكس المتعارف عليه في كونه وسيلة تصقل شخصية المرأة، وتؤهلها لمساندة الرجل، ودعم مستقبلهما. لعل قلة الإقبال على التعليم الجامعي في ذاك الوقت كان سبباً في كون التخصصات الجامعية العلمية غير متاحة بكثرة، أو أن قلة التخصصات كانت سبباً في اختيار الزواج المبكر خياراً أولياً. في ذلك الوقت، لم يوجد في مدينة الدمام سوى تخصصَيْن جامعيَيْن للنساء يدرّسان في جامعة الملك فيصل بالدمام وهما: الطب البشري وتخصصاته، والهندسة المعمارية.
كان الطب من التخصصات المنبوذة اجتماعياً لدى فئة كبيرة من المجتمع؛ لأسباب عديدة، منها البيئة المختلطة، وفترة السنوات الدراسية الشاقة والطويلة، وأوقات الدوام الأسبوعي المنهك الذي لا يتناسب مع مسؤوليات الأم المربية، إضافة إلى معايير القبول الصعبة التي تتطلب درجات علمية عالية لتأهل المتقدمة في الحصول على مقعد دراسي. لعل كل تلك الأمور كانت سبباً في قلة إقبال النساء على دراسة الطب، باستثناء عوائل معدودة كانت طموحها وأبناؤها أكبر من عقبات المجتمع ونقده المبالغ، وركزت على الطموح وتعزيز تحقيق أحلام أبنائهم.
حرص والدي على أن أتجنب دراسة الطب وتخصصاته، ومن حسن الحظ أنه لم يكن ضمن ميولي أو طموحي، فلم أجبر على أن أخوض صراعات معارضة المجتمع لهذا التخصص أو رغبة والديّ؛ ما جعل التخصص الجامعي الوحيد المتاح للدراسة هو الهندسة المعمارية الداخلية، ولكن الاختلاف الجوهري بين التخصصين أن بعد دراسة الطب ستصبح طبيباً، أما بعد دراسة الهندسة فلن تستطيع ممارستها؛ لأنها ممنوعة مهنياً للنساء، ولم تكن ضمن الوظائف المسجلة في نظام العمل. وعلى الرغم من كل ذلك، كانت خياري الوحيد الذي لم أندم عليه يوماً، فسرعة التغيير خلال الأعوام الماضية فاقت التوقعات، ودراسة الهندسة كان مفتاح الاطلاع على المحيط الخارجي، وطريقي الأمثل لتحقيق إنجازاتي على الصعيدَيْن الشخصي والمهني معاً.
ما دور الرجل في حياة المهندسة المعمارية رنا القاضي؟
لقد كان والدي وما زال الرجل الأكثر إصراراً وإيماناً بأحلامه منذ صغره، فقد كان شغوفاً بتوثيق تفاصيل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة منذ ستينيات القرن الماضي الميلادية وحتى الآن، فقد قضى أكثر من ستين عاماً من حياته بين التصوير وأرشفة الصور؛ للحفاظ على تاريخ المدينتَيْن المقدستَيْن. كان ذلك الشغف الذي كبرت وأنا ألمسه فيه، هو المحرك الداعم لإصراري وعزيمتي، والدينامو النابض الذي لا يتوقف مهما حققت من إنجازات.
أما الرجل الثاني الذي أضاف إلى سيرتي المهنية الكثير، فهو الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، الذي كان بمنزلة موسوعة متنقلة، فقد فتح آفاقي للتعرف إلى المنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية، والإلمام بمعرفة تاريخ القرى والقبائل والمحافظات في منطقة عسير، فلهذه المحطة الدور الكبير في صقل المعرفة، والتوسّع في مجال تأهيل القرى التراثية، والتعرف إلى أساليب البناء العمراني في كلٍ من القرى الريفية والجبلية وشبه الصحراوية.
أما الرجل الثالث، وهو المحرك الأساسي لتغيير تاريخ المرأة في المملكة العربية السعودية، ومحقق طموحها، فهو سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الذي صقل كيان المرأة محليّاً، وأظهر وجودها عالميّاً، وخلق من الفرص آفاقاً بلا حدود لمستقبلها، فكتب لها تاريخاً وليداً، وحقبةً مختلفة في تسلسل تنميتها، وتأهيلها، وتمكينها، وتطويرها، فقد رفع من نسبة مشاركتها اجتماعياً وعملياً؛ لتحقيق المساواة التكاملية بين الرجال والنساء في المجالات المتنوعة، ووأد كل العوائق التي كانت عقبة لتحقيق أهدافها وآملاها، بل جعل سقف طموحها بلا مسافة يمكن قياسها أو تقديرها.

هل هناك فرق بين رؤية المرأة لمجال الهندسة ورؤية الرجل، وكيف يؤثر ذلك في التصميم والعمارة؟
تصنيف أي تخصص إلى جنسين عائق لأي تطور، أؤمن أن الكفاءة لا جنس لها، وأن العلوم مفتوحة لمن يدركها ويعمل بها؛ لذلك لا أرى اختلافاً بين رؤية الجنسين لمجال الهندسة، فالعمارة فن من الفنون المفتوحة الآفاق، ولنا أسوة في ذلك المهندسة العراقية الأصل زها حديد، فهي من أيقونات التغيير لنمط العمارة، فما قدمته من تغيير في مفهوم العمارة، لم يُعْرَف عالمياً لكونها امرأة، ولكن عُرِف من خلال مدرسة الفنون المعمارية المعاصرة التي عرّفتها للعالم، فتوجهها في جعل المباني أشبه بتحفة فنية بتصميم غير واقعي هو الفارق العلمي الذي ميّز رؤيتها في التصميم.
ما الذي يميّز عمل رنا القاضي ويجعله مختلفاً عن الآخرين؟
الذي يميز رنا القاضي عن غيرها، هي الفرصة التي أتيحت لها للتعرف إلى مناطق المملكة المتنوعة، من خلال العيش في مناطق بلادنا المختلفة، فالسكن في المنطقة الغربية والشرقية والجنوبية والوسطى، وزيارة قرى مناطق المملكة براً، والتنقل ما بين المدن والمحافظات للتعرف إلى المباني التراثية، وطرق البناء التقليدية، والتعرف إلى نوع طراز البناء المحلي وتفاوته من شمال المملكة حتى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، مروراً بالوسط؛ لتوثيق أكبر قدر من المعلومات عن القرى التراثية؛ هو التميز المعرفي الذي اكتسبته. فالبحث الميداني على أرض الواقع من أجل معرفة تفاصيل البناء التقليدي شمل زيارة أكبر محافظات المملكة وأصغرها، بدءاً من محافظة الأحساء شرقاً، التي تبلغ مساحتها ما يقارب ثلاث مئة وخمسة وسبعين ألف كيلو متر مربع، وصولاً إلى أصغر المحافظات في منطقة جازان، التي تبلغ مساحتها مئة كيلو متر مربع، كل تلك الجولات أنجزتها براً بالسيارة، بعد قرار السماح للمرأة بالقيادة الذي ساعدني في اجتياز عقبات مهنية عديدة، منها إتمام الجولات والرحلات الميدانية، وتوثيق أكبر قدر من المعلومات عن تاريخ البناء العمراني في بلدنا، الذي شمل توثيقاً مرئياً مصوراً، ورسومات معمارية وإنشائية، ومقابلات مكثفة مع المحليين؛ لذلك حرصت على أن أبرز تراث المملكة وثقافتها في هذا اللقاء مع مجلة «سيدتي» بإظهار الثقافة المحلية لمناطق المملكة المختلفة، وإظهار ثقافة الفنون المحلية المتنوعة في تراثها من خلال أزياء المناطق.

ما أكثر الإنجازات التي حققتها رنا القاضي، والتي هي فخورة بها اليوم؟
هناك إنجازات خلال مسيرتي العلمية اعتز بتحقيقها، وهي إدخال بعضٍ من المسميات المعمارية العربية إلى قاموس المصطلحات المعمارية في منهج التاريخ العمراني الأندلسي، وتعريب بعض مفردات وعناصر البناء المعماري من الإسبانية إلى العربية نسبة إلى الدول الإسلامية التي نمت وازدهرت في ذلك الوقت. أما إنجازاتي التي افتخر بتحقيقها باسم الدولة، فهو توثيق اسمي بوصفي باحثة متخصصة في تاريخ العمارة الأندلسية، ومرجعاً لتدقيق المعلومات البحثية فيما يخص البناء الإسلامي في إسبانيا.
أما على نطاق المسؤولية العلمية، فهو إدخال (البناء الإسلامي) باعتباره منهجاً تعليمياً في قسم العمارة بجامعة «بوليتكنيكا دي مدريد»، وهي الجامعة الأقدم في تخصص العمارة.
أما على نطاق إنجازات المرأة دولياً، فهو إلقاء محاضرة في مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة للتعريف بالعمارة الإسلامية، منذ انتشار الدين الإسلامي، إلى حقبة التقنيات الحديثة وبناء القباب المتحركة والمظلات الشمسية في مشاريع توسعة الحرمين الشريفين.
وعلى الصعيد المهني، فقد كنت من ضمن الفريق الإسباني المشرف على تصميم قطار الحرمين؛ للتعريف باشتراطات التصميم الداخلي للقطار التي تناسب احتياجات أداء مناسك الحج والعمرة.
أما على نطاق عملي الحالي، فهو تصميم منصة لتوثيق أكبر قدر من المعلومات عن البناء البيئي، التي تضم طرق البناء التقليدية في القرى التراثية؛ لتوضيح تفاصيل طرق البناء التقليدية المتنوعة على أرض مملكتنا.
تمكين المرأة ورؤية 2030 من وجهة نظرك، كيف أسهم في زيادة فرص العمل والتعليم للمرأة في العمارة والهندسة؟
ساعد تمكين المرأة في رفع سقف طموحها، بل زاد من مسؤوليتها تجاه مجتمعها، فالقفزات النوعية التي حصلت عليها المرأة،
ومشاركتها في سوق العمل؛ هو التميز الفريد الذي حصلت عليه المرأة من التغييرات، كما أن التغييرات في التشريعات الإصلاحية التي تمت خلال السنوات الأخيرة وفق رؤية المملكة 2030، جعل طموحها بلا أي عوائق اجتماعية، أو نظرة دونية أو فوقية، كما كان في السابق، بل أصبحت شاغلاً مهماً في سوق العمل. لن أنسى الحوار الذي دار بيني وبين نفسي عام 2013، عندما نظرت إلى السفيرة السودانية في إسبانيا، وهمست إلى نفسي قائلة: وصلت المرأة السودانية إلى مقعد يعدّ من المستحيلات للمرأة السعودية.
أما اليوم فتشغل المرأة السعودية ثلاثة مقاعد دبلوماسية، وتترأس ثلاث سفارات لبلدها في الخارج لتمثيل دور سياسي دولي مهم، بعدما كان ذلك المقعد من المستحيل رسمه، أو تصوّره، حتى بين أحلام بنات مجتمعها.

حصلت على دكتوراة في حفظ التراث المعماري وترميمه.. حدثينا عن ذلك، وكيف تصفين، اليوم، دور السعودية في هذا الجانب؟
عندما بدأت دراسة الدكتوراة عام 2011، لم يكن قطاع التراث مزدهراً في المملكة العربية السعودية؛ ما جعلني في موضع نقد مستمر من المحيطين حولي، فكانت الرؤية المهنية تميل إلى التقنيات الجديدة وليس الحفاظ على القديم، فصورة التمدّن والتقدم أكثر استقطاباً لأعين الناس من حياة الأجداد والأولين. ولم يكن بُعد النظر حاضراً في ذلك الوقت لضرورة الحفاظ على التراث وقيمته الدولية بين الدول. فالتراث هو الهوية التاريخية والثقافية للمكان، كما أنه يعكس خط زمن أصالة التاريخ حتى صناعة المستقبل. أما سياحياً فيعدّ نقطة استقطاب مهمة لهوية المكان في عصر العولمة، وتقدم التكنولوجيا الصناعية، وتشابه الأمكنة. وأما اقتصادياً فهو فرص استثمار وظيفية واعدة لقطاعات عدّة؛ تؤدي إلى ازدهار المكان سياحياً، وتحقيق أفضل الاستثمارات النوعية لبلدنا.
ما الذي يجعل الثقافة المعمارية في الشرق الأوسط مختلفة عن الغرب؟
تكّون التضاريس الجغرافية جزءاً كبيراً من نمط الحياة، وفنون التصاميم المحلية، وثقافة المجتمعات، ولأن جغرافية الشرق الأوسط مختلفة عن أوروبا وأمريكا وباقي القارات، فما نجده على أرضنا هو تاريخ لا يتكرر في مكان آخر، بما في ذلك فنون العمارة الإسلامية والمحلية والتقليدية. وعلى الرغم من انتشار الدين الإسلامي في أنحاء العالم، فإنّ الفنون تختلف بسبب اختلاف مواد البناء الطبيعية في تضاريس المملكة، فبناء الحجر في المناطق الجبلية مختلف عن بناء الطين في القرى الريفية، ومختلف عن منحوتات المساكن الجبلية، كل ذلك التنوع خلق هويةً وثقافةً محليةً فريدةً من نوعها.
كيف ترين إقبال الفتيات على دراسة الهندسة والعمل فيها؟
عد العودة إلى السعودية عام 2017، خضت تجربة التدريس الجامعي في مدينة جدة، وبعد انتهاء العام الدراسي، وفي يوم تخرج الطالبات الذي وصل عددهن إلى 200 طالبة، أدمعت عيناي فرحاً بهذا التغيير الكبير، فقد كانت التخصصات الهندسية للنساء لا تتعدى 15 طالبة في الصف الواحد، اليوم تعددت الأقسام والتخصصات في هذا المجال وتوسّعت.
عاشت الدكتورة رنا القاضي 7 سنوات في إسبانيا ما بين الدراسة والعمل، ماذا تعلمتِ خلال تلك الفترة؟
كان وجود النساء السعوديات أقرب إلى العدم عندما انتقلت إلى المعيشة في إسبانيا، باستثناء زوجات الدبلوماسيين السعوديين وأبنائهم في مرحلة سادت فيها الصورة العامة عن النساء السعوديات بأنهن مضطهدات دينياً، ومحرومات قانونياً من حقوقهن بلا كينونة متناغمة اجتماعياً، وأنهنّ آلة للتكاثر الذكوري؛ ما جعل من تصور وجود مرأة عاملة متعلمة في ذلك الوقت أشبه بالأعجوبة، فكثرت القصص السلبية والرأي العام عن المرأة السعودية والصورة المشوهة التي أبرزها الإعلام الغربي في اللقاءات الحوارية وعناوين المقالات، وكانت سبباً كافياً لجحظ أعين السامعين كلما ذكرت أنني من المملكة العربية السعودية. فتكون ردة الفعل المعهودة: ممكن صورة؟ فندرة وجود النساء السعوديات ومشاركتهن الدولية في أي قطاع، جعلت من وجودي دهشة في أي مكان أتواجد فيه.
لقد احتضني المجتمع الإسباني في كل الظروف والأحداث خلال ممارسات الحياة اليومية، وأثناء فترتي الدراسة والعمل. فنظرة المجتمع ونبرته لي كانت مليئة دائماً بالفخر والتقدير، بسبب خروجي عن الصورة المألوفة؛ ما جعل عاتق المسؤولية كبيراً جداً، فامرأة واحدة من الممكن أن تمثل عدة نساء، وتغيّر من الصورة النمطية.
أما على صعيد العمل، فقد تعلمت أن لكل تخطيط اقتصادي خطة سياسية تعزز مكانة الدول بمؤشر التنافسية على مستوى العالم في التصنيف، ومن ذلك الحفاظ على التراث الفريد، فهو الميّزة التنافسية دولياً للاستقطاب السياحي الذي سيجذب العالم إلى معالم الحضارات العربية على أرضنا.
ما طموح رنا القاضي على المستويين الشخصي والعملي؟
طموحي على المستوى المعماري أن تكون هناك مدرسة عمارة ذات اتجاه يبرز خطوط العمارة في المملكة العربية السعودية، وفنونها، وزخارفها، وأشكالها، والأساليب المعمارية المتعددة في مناطقها المختلفة، فيصل الخط المعماري عالمياً، ويتميز، فيكون الفن السعودي في متناول الذائقة والفنانين. فالفنون هي اللغة المشتركة لإبراز هوية المملكة، وما زالت هذه الهوية كامنة، وتحتاج إلى إظهار وحضور فني ومعماري أوسع.
*المصدر :سيدتي ..جدة – حوار زهراء الخالدي 

شاهد أيضاً

محاسن

الأردن يؤكد دعمه لتمكين المرأة في اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي

مثلت الدكتورة محاسن الجاغوب، رئيسة لجنة التربية والتعليم في مجلس الاعيان الأردني، المملكة الأردنية الهاشمية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com