الرئيسية / أخبار / د. سناء العصفور تكتب عن “عيد الأم” :” إذا أعدَدْتَها أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ”
د. سناء العصفور
د. سناء العصفور

د. سناء العصفور تكتب عن “عيد الأم” :” إذا أعدَدْتَها أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ”

 

بقلم د. سناء العصفور:

عيد الأم أو يوم الأم (بالانجليزية: Mother’s Day) هو إحتفال رغم أنه  ظهر حديثاً في مطلع القرن العشرين،و يحتفل به في بعض الدول لتكريم الأمهات والأمومة ورابطة الأم بأبنائها وتأثير الأمهات على المجتمع ،ورغم أن ذلك  ظهر ذلك برغبة من المفكرين الغربيين والأوروبيين بعد أن وجدوا الأبناء في مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم،حتى اتسعت رقعة المحتفلين به حتى صار يحتفل به في العديد من الأيام وفي شتى المدن في العالم وفي الأغلب يحتفل به في 21 مارس من كل عام،إلا أن التاريخ لا يعرف دينًا ولا نظامًا كرَّم المرأة باعتبارها أمًا، وأعلى من مكانتها مثلما جاء بهِ دين محمد “صلى الله عليهِ وسلم”، الذي رفع من مكانة الأم في الإسلام،وقول الله تعالى :” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” ..صدق الله العظيم ،وهنا جعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والولادة والإرضاع والتربية، وهذا ما يُقرره القرآن ويُكرره في أكثر من سورةٍ ليثبِّته في أذهان الأبناء ونفوسهم.ومن أعظم الأدلة على مكانة الأم في الإسلام الحديث النبوي الشريف الذي يروي قصَّة رجلٍ جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” يسأله: من أحق الناس بصحابتي يا رسول الله؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك».ويروي الصحابي البزار أن رجلًا كان بالطواف حاملًا أمه يطوف بها، فسأل النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” هل أديت حقها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» !.. أي زفرة من زفرات الطلق والوضع ونحوها.وبر الأم يعني: إحسان عشرتها، وتوقيرها، وخفض الجناح لها، وطاعتها في غير المعصية، وإلتماس رضاها في كل أمر، حتى الجهاد، إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها، فإن برها ضرب من الجهاد.ومن الأحاديث النبوية الدالة على مكانة الأم في الإسلام قصة الرجل الذي جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».وقد كانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم، ولا تجعل لها اعتبارًا، فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات، كما أوصى بالأعمام والعمات، ومن الأحاديث الدالة على ذلك أن رجلًا أتى النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” فقال: إني أذنبت، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟» قال: لا، قال: «فهل لك من خالة؟»، قال: نعم، قال: «فبرها».ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم، حتى وإن كانت مشركة، فقد سألت أسماء بنت أبي بكر النبي “صلى الله عليه وسلم” عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها، فقال لها: «نعم، صلي أمك».ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها، تقديرًا لمكانة الأم في الإسلام، وأولى بهم من الأب، حيث قالت امرأة يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني! فقال لها النبي “صلى الله عليه وسلم”: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي».والأم التي عني بها الإسلام كل هذه العناية، وقرر لها كل هذه الحقوق، واجب عليها أن تحسن تربية أبنائها، فتغرس فيهم الفضائل، وتبغضهم في الرذائل، وتعودهم على طاعة الله، وتشجعهم على نصرة الحق، ولا تثبطهم عن الجهاد، استجابةً لعاطفة الأمومة في صدرها، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة.ولقد رأينا أمًا مؤمنة كالخنساء في معركة القادسية تحرض أبناءها الأربعة، وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة، وما إن انتهت المعركة حتى نعوا إليها جميعًا، فما ولولت ولا صاحت، بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله!!..

من ناحية أخرى اتسمت صورة الأم  في معظم القصائد العربية، القديمة منها والحديثة، بالقداسة والنقاء، كقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي «الأمُ تلثم طفلها وتضمه/ حرمٌ سماويّ الجمال مُقدس»، أو كما جاء في قصيدة سعيد عقل الذي نزّهها عن البشر بوصفها ملاكاً: «أمي يا ملاكي/ يا حبي الباقي إلى الأبد». بينما أثنى حافظ إبراهيم على الأثر السوسيولوجي والبيداغوجي أو التربوي للأم بقصيدة شهيرة نَسَفت حينها أفكاراً ذكورية كانت تؤطّر دور المرأة في الحياة داخل ركنين صغيرين، المطبخ وغرفة النوم. وفيها يقول إبراهيم: «الأمُ مدرسة إذا أعدَدْتَها/ أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ/ الأمُ روضٌ إن تعهده الحيا/ بالريِّ أورَق أيمّا إيرَاقِ/ الأم أستاذ الأساتذة الأُلى/ شغَلَت مآثرهم مَدى الآفاق».

أمّا الشاعر حسن عبدالله، فاختار أن يُعظّم فئة أخرى من الأمهات، أم الشهيد التي تُعطي ما هو أغلى من حياتها وتصبر محتسبةً فاجعتها عند الله، فيقول: «أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها/ أجمل الأمهات التي انتظرته/ وعاد مستشهداً/ فبكت دمعتين ووردة/ ولم تنزوِ في ثياب الحداد…».

وفي قصائد أخرى، يُمكن العثور على صورة الأم «الحبيبة» بحيث تعكس علاقة الشاعر (الولد) بأمّه المفهوم الأوديبي، بمعنى تعلّق الإبن بوالدته والبحث عنها في وجوه النساء/ العشيقات. وهذا ما ورد في قصائد كثيرة لنزار قباني مثلاً، هو الذي جمعته بأمّه علاقة «خرافية» جعلته متعلّقاً بثديها حتى السابعة من عمره «عرفتُ نساء أوروبا/ عرفت عواطف الإسمنت والخشب/ عرفت حضارة التعب/ وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الصفر/ ولم أعثر/ على امرأة تُمشّط شعريَ الأشقر/ وتحمل في حقيبتها/ إليّ عرائس السكّر/ وتكسوني إذا أعرى/ وتنشلني إذا أعثر…».

وترتبط صورة الأم أيضاً بمشاعر الحنين إلى الطفولة، إلى زمن مضى، وبراءة لن تعود. وهذا ما عبّر عنه الشاعر محمود درويش الذي جمعته بأمّه صلة أعمق من أن تُفسّر، فكانت بطلة الكثير من قصائده، أشهرها: «أحنّ إلى خبز أمي/ وقهوة أمي/ ولمسة أمي/ وتكبر فيّ الطفولة/ يوماً على صدر يوم/ وأعشق عمري لأني/ إذا متُّ/ أخجل من دمع أمي».

وحين نحكي عن الحنين الموجع إلى الأم (الغائبة/ الراحلة/ البعيدة) تحضر أبيات بودلير، الشاعر الفرنسي الذي لم يُخفِ عقداً نفسية تولدت لديه جرّاء زواج غير متكافئ بين أمّ شابة وأب عجوز، هو الذي عانى من إهمال والدته له بعد ارتباطها برجل عسكري حادّ الطباع. ولكن، مع قسوة مفرداته وسوداوية قصائده، ظلّ بودلير إلاّ أن يكون رؤوفاً بأم ما برح يحلم بها ويحنّ إلى لحظات جمعتهما معاً، جسداً بجسد. وهذا ما تنقله قصيدته «الشرفة»: «يا أمّ الذكريات/ يا سيّدة السيّدات/ يا أنتِ، كلّ ملذّاتي/ يا أنتِ، كلّ واجباتي/ أتتذكرين جمال اللمسات/ روعة الموقد، وسحر الأمسيات/ يا أمّ الذكريات/ يا سيّدة السيدات»……..وفي عيدها أقول أدام الله أمهاتنا، وأعاننا على طاعتهن ورعايتهن وبرهن، ورحم الله الأمهات الراحلات وأسكنهن فسيح جناته، جزاء ما قدمن من تضحيات.

*د. سناء العصفور “أمينة المرأة في نقابة التربية بالكويت ..ورئيس مجلس إدارة وكالة أنباء العصفورة نيوز”

شاهد أيضاً

خلالالالا

«الخليج» الأفضل في تنفيذ مبادرات «التنوع والشمولية» و«تمكين المرأة»

تقديرا لدوره الرائد في تنفيذ مبادرات نوعية لتعزيز التنوع والشمول داخل البنك وخارجه، منحت مجلة …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com