الرئيسية / أخبار / رحلةُ معاني «المرأة» في قاموس الأكاديمية الفرنسية
فرنسي

رحلةُ معاني «المرأة» في قاموس الأكاديمية الفرنسية

*عبدالدائم السلامي
صدرت، منذ عام 1694، ثماني طبعاتٍ من قاموس الأكاديمية الفرنسية التي أنشأها السياسي الكردينال أرموند جون ريشليو خلال فترة حكم لويس الثالث عشر عام 1635، واستغرق إعدادُ أول نسخة منه 59 سنة، وتعمل الأكاديميةُ الآن على إصدار الطبعة التاسعة له، مصحوبة بجهاز رقمي يُخول البحثَ عن تاريخ الألفاظ فيه، وسيكون متاحا للاستعمال مع بداية الخريف المقبل. وفي هذا المضمار، تتبعت كريستين سيمون، المحررة الثقافية في «فرانس أنتير»، تاريخ تطور مفهوم لفظةِ «امرأة» في جميع طبعات قاموس الأكاديمية، وخلصت إلى أن هذه اللفظة المغمورة بثلاثمئة سنة من النظام الأبوي، عاشت ارتحالا من دَلالة إلى أخرى خلال 384 سنة من تاريخ قاموس الأكاديمية.

المرأة التابعة

وعند تقديم المشروع المُرَقْمَنِ لجميع إصدارات القاموس، قالت هيلين كارار دَنْكوس، السكرتيرة الدائمة للأكاديمية الفرنسية، إننا «سنتبينُ، من خلال الوصول المتزامن إلى جميع إصدارات القاموس، كيف تتطورُ الكلماتُ. إن الناس لا يدركون أنه إذا تغيرت الكلمات، فذلك يعني أن المجتمع يتطور، ويعني أيضًا أن رؤيته للعالم تتطور. عند الوقوف على التغييرات التي عاشتها كل لفظة، سنرى أنه ليس هناك شيء بريء في اللغة». ومن صُورِ ذلك أنه في طبعة قاموس الأكاديمية سنة 1694، وفي الصفحة 443 من المجلد الأول، تم تعريفُ لفظة «المرأة بأنها «أنثى الرَجلِ». وجاء ذاك التعريف بلغة متحفظة جدا في نص لا يتجاوز 25 سطرًا في عمودٍ من القاموس، وهو مستَعارٌ جزئيًا من السجِل الديني. في بداية التعريف، يتم تقديم المرأة على كونها «أنثى الإنسان»، ولكن سرعانَ ما يذكر الأكاديميون الإلهَ «الذي أخرج المرأة من ضلع آدم»، ويتبع تلك المرجعية مباشرة عبارة «النساء خجولات طبيعيا». ويورد القاموس بعد ذلك عددا من الشواهد التي ذُكرت فيها المرأةُ وجاءت فيها أقوال من قبيل «عدد النساء أكثر من عدد الرجال في هذه المدينة»، و«هذا الرجل مدمن على النبيذ والنساء». و«إن مخالطة النساء الفاسقات أمر خطير للغاية»، و«امرأة متزوجة»، وإذن، فالمرأة في تلك الطبعة من القاموس هي بالنسبة للرجل إدمان محتَمَل مثله مثل الخمرةِ.
في الطبعات اللاحقة من القاموس سنوات 1740، و1762، و1798، لم يتطور تعريف المرأة فيها، على الرغم من الثورة وعصر الأنوار وظهور المثقفين الكبار ونشر إعلان حقوق المرأة والمواطنة (وكان ذلك عام 1791). وفي سنة 1802، جاءت في المنشور المكمل لنسخة القاموس لعام 1762 فكرةٌ قانونيةٌ تقول: «المرأة التي تشتركُ في المِلْكية»، في إشارةٍ إلى الزوجة التي تشترك في الملكية في ظل نظام الملكية المشترك بين الأزواج.

وفي عام 1835، وفي الصفحة 740 من المجلد الأول، صار الأكاديميون المشرفون على تحرير قاموس الأكاديمية أكثر ثرثرة، وكتبوا 80 سطرا متصلاً بالمرأة ترحل فيه تعريفها من «أنثى الرجل» لتصبح «رفيقته». وقد ظل الإله موجودًا في التعريف، لكن الأكاديمية صار لديها كثير من الأمثلة لتُقدمها، حيث نجد في التعريف حديثا عن «المرأة العشيقة» ولكن عندما نقول «إنها فعلا امرأة»، فذلك لذكر «العيوب والضعف العاديين بالنسبة لجنسها». عند القراءة نفهم أنه عندما نقول عن الرجل «إنه امرأة»، فذلك يعني أنه لا يملك «القوة». وكخلاصة ينتهي النص، الذي بدأ بذكر الإله، بذكر الشيطان، حيث نقرأ: «يفيد تعبير: الشيطان يضرب زوجته، بأن السماء تمطر والشمس مشرقة في الآن ذاته». وفي الصفحة 896، نعرف أن المرأة هي أيضا رجل بما أن لفظة «رجل» تشمل أيضا النساء عندما يتعلق الأمر بالحديث عن «حيوان منطقي يتكون من جسد وروح». يستغرق وصف جميع معاني كلمة «رجل» أكثر من صفحتين، وهو ما يعادل خمس مرات المساحة المخصصة لتحديد دلالة كلمة «امرأة».

المرأة النزوة

في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، لم يعد تعريف «المرأة» هو ذاته تقريبا في الطبعة الثامنة من القاموس (1932-1935). صار النص أطول، مع المزيد من الأمثلة. ونقرأ فيه: «امرأة اسم مؤنث، كائن بشري من جنس أنثوي، رفيقة الرجل». وقد شفعت هذه التعريفات بشواهد معبرة بشكل كبير: «نزوة امرأة»، و«امرأة متزوجة»، و«امرأة مليحة»، و«امرأة مغناج»، و«امرأة مؤلفة، أديبة»، و«ليست امرأة يمكن غوايتها».
ويظهر الإله، كالعــــادة بعد ذلك، ولكن ليس للحديث عن خلق المرأة، وإنما للحديث عن قوة إرادتها، حيث يورد الأكاديميون أقوالاً مأثورة وتعبيراتٍ مجازيةً مثل «ما تريده المرأة، يــــريده الرب، المرأة تريد ما ترغب فيه، وعادة ما ينتهي الأمر بحصولها عليه».
ويذكر أصحاب القاموس طرقا أخرى لاستخدام كلمة المرأة، منها أنه «بالإضافة إلى المعنى العادي لامرأة صالحة/جيدة، يمكن أن تعني، أيضا، امرأة عجوزًا»، و«أُنهكت المرأة الطيبة» للدلالة على كونها لم تعد قادرة على فعل شيء.
و»يمكن، أحيانًا، أن يقال امرأة طيبة/صالحة/جيدة على سبيل الألفة والتعالي عند الحديث مع امرأة من الشعب أو من الريف»، و«حكايات امرأة طيبة»، و«علاجات امرأة صالحة»، و«حكايات وعلاجات تقليدية وشعبية تناقلتها ذاكرة النساء»، و«هذه امرأة قوية، عبارة تطلق على امرأة ذكية وصارمة، وتعرف كيف تفرض على الآخرين إطاعتَها». ويطلق تعبير «وهي امرأة بالفعل، للإشارة إلى المرأة التي تمتلك الفتنة وكل السمات المميزة لجنسها».
وفي الثلاثينيات من القرن المنصرم، لا يعني تعبير «المرأة العامة» أنها وزيرة مستقبلية أو امرأة بالغة الشهرة، وإنما هو يعني أنها «امرأة عاهرة». وينتهي التعريف، بدوره، باستحضار الشيطان: «الشيطان يضرب زوجته، ويُزوج ابنته».

أحمقُ مَن يُعَول عليها

لم تعد المرأة، في الطبعة الحالية، أنثى الرجل أو رفيقته. حيث نقرأ: «المرأة (وتُنطق فام) اسم مؤنث من القرن العاشر. مشتق من اللاتينية «فامينا» ويعني «امرأة وأنثى». كائن بشري محدد بخصائصه الجنسية، التي تسمح له بحمل وإنجاب الأطفال». ومن أمثلة استخدام الكلمة: «لم تعد طفلة، إنها امرأة، وهي بالغة. قريبا تصير امرأة. إنها امرأة. امرأة حامل. امرأة عقيمة. في المجتمعات الغربية، متوسط عمر المرأة أعلى من متوسط عمر الرجال».
ويخص القاموس في طبعته الأخيرة فقرةً لذكر الخواص والمظاهر التي للمرأة في قوله «امرأة جميلة، جذابة، أنيقة، غنجاء، امرأة مُهْلِكة» (جذابة للغاية لدرجة التسبب في المآسي)، و«امرأة خفيفة، سهلة «، «امرأة حُرة، امرأة متحررة». غير أن تَحَررَ المرأة الذي ذكره القاموس لم يمنع من وقوعِها في دائرة التذكير في مواقع وظيفية، حيث نجد عبارة «امرأة أستاذ» وامرأة «رئيس مؤسسة»، وليست أستاذة أو مؤلفة أو مدعية عامة، وهي استعمالات ينفيها القاموس في إصداره الجديد، لأن هذه الكلمات لم تعد تُستخدم بعد أن كانت مستعمَلة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
في القرن الحادي والعشرين، تستمر المرأة دائماً في كونها من تتحمل الأعباء، وهي عاملة التنظيف، أو ربة البيت، أو الخادمة. الشيطان لم يعد مذكورا في تعريفها القاموسي، ولكن يوجد ذِكْرٌ في التعريف للكتب المقدسة، وكذلك للقديسات اللاتي تبعن يسوعًا. كما أن هناك إشارة إلى فيكتور هوغو صاحب القولة الشهيرة: «غالبا ما تغير المرأة رأيها. أحمق من يعول عليه».والحق أنه خلال 384 سنة من تاريخ الأكاديمية الفرنسية ومن تفكيرها في مسألة المرأة ضمن طبعات قاموسها، لم تحظَ هذه الأخيرة بتعريف مناسبٍ لطموحاتها، بل لم تقدر على الحضور بكثافة في هيئة الأكاديمية التي لم تُدْمِج فيها سوى تسعَ نساء، ولعل في هذه القِلة النسائية ما ساهم في استهجان تعريف المرأة في قاموس الأكاديمية. وحول هذا الأمر قال الأكاديمي الفرنسي داني لافاريير: «قراءة هذه الإصدارات المختلفة هو مثل قراءة رواية ومشاهدة شخصيات (الكلمات) تظهر، وتختفي، وأحيانًا تعود. إنه تشويق حقيقي. يختلف كل ذلك بفعل تأثير بعض الأعضاء والميول التي ينتمون إليها. أتذكر بالنسبة لكلمة امرأة، أن جان دورميسون كان يقول إنه ينبغي تعريفها على النحو التالي: شخص يعانقه الرجال في كل معاني الكلمة».

٭ كاتب تونسي…القدس العربي.

شاهد أيضاً

خارححح

آن كويستنين: الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري للكويت وهناك إمكانية كبيرة لتعزيز التعاون

  شارك وزير الخارجية عبدالله اليحيا في الاحتفال السنوي بيوم أوروبا الذي أقيم بحضور رؤساء …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Powered by moviekillers.com