*بقلم د. سهير بنت سند المهندي ..( إعلامية وباحثة أكاديمية)..
في لحظة صادمة ومفاجئة، وجّهت إسرائيل ضربة عسكرية إلى قطر، في وقتٍ لم تزل فيه المنطقة تترنح من تبعات الضربة الإيرانية السابقة على الدوحة، لتفتح الباب على مصراعيه أمام مشهد سياسي ودبلوماسي معقد، تتشابك فيه الخيوط، وتتعثر فيه جهود السلام، هذه الضربة لم تكن مجرد تحرك عسكري تقليدي، بل رسالة فاضحة إلى المنطقة والعالم بأن إسرائيل ماضية في فرض منطق القوة العارية، وأنها قادرة على تجاوز كل الاعتبارات المرتبطة بالسيادة الدولية، بل والتلاعب بالمعادلات الاستراتيجية الإقليمية، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف التي تجرم استهداف المدنيين والسيادات الوطنية.
هذه الضربة جاءت محملة بأبعاد سياسية تتجاوز حدود قطر، فهي في جوهرها رسالة لإيران وحماس بالدرجة الأولى، ورسالة مبطنة بأن إسرائيل قادرة على توسيع رقعة المواجهة متى شاءت، كما أنها اختبار حقيقي للمواقف الأمريكية التي تُوصف بأنها «جوكر اللعبة السياسية» في الشرق الأوسط، فهي القادرة على ضبط الإيقاع أو إطلاق العنان للفوضى، وفق حسابات مصالحها واستراتيجياتها المتبدلة، وهنا يتجلى السؤال الحارق: إلى أي مدى ستظل واشنطن تمنح الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل، بينما تدفع شعوب المنطقة ثمن الدماء والدمار؟
المفارقة أن هذه الهجمات تأتي في ظل مفاوضات كانت ترفع شعار السعي للسلام والأمن، ما يثير الشكوك حول جدية الأطراف في الالتزام بمبادرات السلام، مثل «المبادرة العربية للسلام» أو مسارات التهدئة التي تشرف عليها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فكلما اقتربت الأطراف من صياغة اتفاق، ظهرت قوة مفاجئة تهدم ما بُني، لتبقى الجهود الدولية أشبه برمال متحركة، عاجزة عن تثبيت أي أرضية صلبة للأمن والاستقرار.
الدول الخليجية، بما تمتلكه من قوة سياسية واقتصادية وتحالفات دولية، أدانت هذا الاعتداء، وهي تدرك أن استهداف قطر اليوم هو استهداف للمنظومة الخليجية والعربية برمتها، من هنا، يتوقع أن يتصاعد التنسيق الأمني والدبلوماسي بين دول الخليج والدول العربية والإسلامية، في مواجهة هذا النوع من الضربات العنيفة التي تهدد الأمن القومي والوطني، وتهز ثقة الشعوب في النظام الدولي القائم على احترام السيادة وعدم التدخل.
وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى الدوحة حيث ستستضيف القمة العربية الإسلامية الطارئة لمناقشة أبعاد الهجوم على قطر، هذه القمة ستكون اختباراً حقيقياً لجدية الموقف العربي والإسلامي، فهي تجمع الدول العربية والإسلامية في لحظة استثنائية تستدعي التكاتف، والبعد الأهم لهذه القمة أنها قد تحدد شكل الاستجابة الجماعية، ليس فقط عبر التنديد أو الشجب، بل بوضع استراتيجية دبلوماسية وأمنية واضحة تردع أي تجاوز مستقبلي على السيادة العربية والإسلامية، فائدتها تكمن في تحويل الغضب إلى موقف موحد، يعيد الاعتبار للعمل العربي المشترك، ويمنح القضية بعدها الإقليمي والدولي.
ومع كل هذه التحديات، فإن المخرج الدبلوماسي من هذه الأزمة لا يمكن أن يظل أسير ردود الفعل الآنية، بل يتطلب صياغة رؤية علمية وعملية، تقوم على ثلاثة محاور متوازية: أولها، تفعيل آليات الردع السياسي والقانوني عبر اللجوء الفوري إلى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية لتثبيت مبدأ المحاسبة، ثانيها، بناء مظلة أمنية عربية–إسلامية تنسق جهود الدفاع المشترك، على غرار الناتو، لتشكل قوة رادعة ذات بعد استراتيجي، ثالثها، الدفع بمبادرة دبلوماسية جديدة تستند إلى المواثيق الدولية، وتعيد إحياء مسار السلام لكن بآليات أكثر إلزاماً، بما يضمن أن لا تبقى قرارات الشرعية الدولية مجرد نصوص معطلة.
إن هذه اللحظة الحرجة تكشف عن حقيقة مرة: أن المنطقة أسيرة لعبة دولية قاسية، فيها تُختزل القوانين والاتفاقيات إلى حبر على ورق، وتُداس المبادرات تحت جنازير الدبابات، فيما تبقى الشعوب هي الخاسر الأكبر، دماً ومالاً وأمناً، ومع ذلك، فإن اجتماع الدوحة المرتقب قد يشكل نقطة انعطاف إذا ما أحسن استثماره، ليكون منصة لإعادة صياغة موقف جماعي صارم، يعيد للمنطقة وزنها السياسي وحقها المشروع في الأمن والسلام، ويرسل للعالم بأسره رسالة واضحة: أن العرب والمسلمين قادرون على أن يكونوا شركاء لا متفرجين في صياغة مستقبلهم.