ترجمة: عوض خيري عن «نيويورك تايمز»..الإمارات اليوم ..
منذ أن أعلنت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي، أنها ستتخلى عن صديقها القديم، لم يتوقف الإيطاليون عن الحديث عن هذا الأمر، فقد أصبحوا مهووسين بتسريبات الأشرطة الصوتية والمرئية التي تتحدث عن أندريا جيامبرونو، مذيع الأخبار التلفزيوني، والد ابنتهما الصغيرة، وهو يلقي نكاتاً بذيئة ثلاثية ورباعية ويقدم اقتراحات فاضحة لزميلاته من النساء.
وكان الناشطون في مجال حقوق المرأة ومنتقدو ميلوني يأملون في أن تستغل رئيسة الوزراء هذه المناسبة باعتبارها لحظة طال انتظارها، وفرصة نادرة لمعاقبة النظام الأبوي في البلاد، ومذهب المتعة النسائية الذي كان يتبناه رئيس الوزراء الراحل سيلفيو بيرلسكوني، وفشل الحكومات المتعاقبة في إنشاء خدمات اجتماعية يمكنها دعم المزيد من النساء للدخول والبقاء والتفوق في سوق العمل. لكن بدلاً من ذلك، التزمت ميلوني الصمت بشأن هذه النقاط.
وكان ذلك بمثابة خيبة أمل بالنسبة للبعض في بلد تقول نساؤه إنه لايزال يتم الترحيب بهن بنوع من التحيز من قبل أصحاب العمل الذين يعتبرونهن أدوات للتسلية أو المغازلة. وتقول النساء في مختلف المهن في إيطاليا إن التحرش في مكان العمل أصبح هو القاعدة. ووثّق عدد حديث من مجلة «لا اسبريسو» مضايقات واسعة النطاق ضد المرأة في صناعة الإعلان. وكشفت دراسة حديثة أن 85% من الصحافيات أبلغن عن تعرضهن لشكل من أشكال التحرش خلال حياتهن المهنية.
ووصفت رئيسة الرابطة الإيطالية لمحامي العمل، تاتيانا بياجيوني – التي عملت لعقود من الزمن في قضايا التمييز والتحرش في مكان العمل – التسجيلات المسربة لسلوك جيامبرونو بأنها «فرصة حزينة للحديث عما يحدث عادة في مكان العمل» ووصفته بأنه أمر مؤسف، وأنها ليست حالة معزولة، بل هي حقيقة كاملة. وقالت أيضاً «هذا نهر يجعل عالم العمل ساماً في هذا البلد».
وفي الوقت الحالي، فإن معدل توظيف النساء في إيطاليا – ما يزيد قليلاً على 50% – هو الأدنى في الاتحاد الأوروبي أو بين مجموعة الاقتصادات السبع الكبرى. ويُشكل عدم مشاركة المرأة عبئاً على الاقتصاد ويسهم في انخفاض معدل المواليد. وكشفت دراسة نظمها بنك إيطاليا أنه إذا زادت نسبة النساء العاملات في إيطاليا بنسبة 10% فقط، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيرتفع إلى 10%. ويمكن أن يرتفع معدل النمو بنحو 10%.
وقالت مديرة المعهد الوطني للإحصاء في إيطاليا، ليندا لورا ساباديني، إن مسألة المرأة هي العقدة المركزية الأولى التي يجب مواجهتها»، و«إن الأزمة الحالية في إيطاليا اليوم ليست هي معدل المواليد، بل إن معدل المواليد هو نتيجة لانخفاض توظيف النساء وانخفاض تطور سياسات الخدمات الاجتماعية».
وبالكاد تظهر النساء على رأس الشركات الكبرى أو المؤسسات الإخبارية الكبرى. أقل من 25% من الأساتذة الإيطاليين هم من النساء. أقل من 5% من شوارع أو ميادين إيطاليا تحمل أسماء نساء. والأكثر شيوعاً الصور القديمة للنساء، بما في ذلك برنامج تعليمي مثير للنساء حول كيفية التسوق لشراء الطعام على هيئة الإذاعة العامة.
إن مكانة ميلوني كأول امرأة تصل إلى أعلى منصب في السلطة في إيطاليا، وانفصالها العلني عن رجل يتدخل بشكل فظ في مكان العمل يجعلان مسؤوليتها تجاه النساء أمراً لا مفر منه، كما تقول بعض الناشطات النسويات. وقالت عنها الكاتبة وسيدة الأعمال المتخصصة في قضايا المرأة في مكان العمل، ريكاردا زيزا «لقد أصبحت أول مناصرة لحقوق المرأة في إيطاليا دون أن ترغب في ذلك حقاً».
وقد أرجعت ميلوني على مدى عقود نجاحها في السياسة إلى عملها الجاد الشخصي، وليس إلى التقدم الذي حققته الحركات النسائية المنظمة. وقالت في خطاب ألقته في قاعة المرأة بمجلس النواب في مارس «لم أؤمن قط، على سبيل المثال، بسياسة المرأة». لذلك، لم يكن مفاجئاً أنها، عندما واجهت قضية نددت بها السياسة النسائية لعقود من الزمن، وصفتها بأنها مسألة شخصية والتزمت الصمت.
وقالت الكاتبة الإيطالية التي تركز على القضايا النسوية «لا يوجد في بيانها ما يقول: أنا أتضامن مع النساء اللاتي يتعرضن للتحرش في العمل، ولا أتغاضى عن هذا النوع من السلوك». وقالت رئيسة تحرير مجلة الأزياء النسائية غراتسيا، سيلفيا غريلي، التي خصصت عدداً للتحرش الذي تتعرض له ممثلة إيطالية وأنتجت فيلماً قصيراً عن ذلك، إن قضية جيامبرونو كانت بمثابة تذكير بمدى انتشار هذه الظاهرة، وأن هذا السلوك يتعلق بالسلطة بقدر ما يتعلق بالجنس. وأضافت «لا أعتقد أنه كانت هناك نية لإقامة علاقة جنسية» مع المرأة التي كان جيامبرونو يتحدث إليها في الشريط. «كان الأمر فقط وحصرياً هو أن يضعها في مكانها».
وقالت المتحدثة باسم ميدياست، لورا فيراتو، إنها أجرت تحقيقاً شاملاً في الأمر وتحدثت إلى «جميع الأشخاص المشاركين في التصريحات خارج الهواء»، وأي شخص كان على اتصال به في المكتب وفي استوديوهات التلفزيون وعلى شبكة الإنترنت. وفي نهاية التحقيق، وبعد اعتذاره، استأنف جيامبرونو عمله.
وكان السبب الدقيق وراء تأخر إيطاليا في النهوض بالمرأة مجالاً للدراسة للمؤرخين والعلماء والاقتصاديين. ويقول البعض إن كونها مقراً للكنيسة الكاثوليكية منذ 2000 عام لعب ذلك دوراً ليس بالقليل. وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة سابينزا في روما، ريناتو فونتانا، إن «الثقافة والفلسفة الكاثوليكية هي بالتأكيد أحد العناصر التي تحول دون استقلال المرأة في هذا البلد على المستويين الفردي والجماعي».
وفي سبعينات القرن الماضي، أحرزت الحركة النسوية الإيطالية بعض التقدم عندما أسهمت في تعزيز حقوق المرأة في جميع أنحاء الغرب. وأصبح الطلاق والإجهاض قانونيين، وأصبح الأجر أكثر مساواة إلى حد ما. وفي عام 1971، صدر قانون يقضي ببناء دور الحضانة العامة، التي أظهرت الدراسات أنها ضرورية للنجاح الأكاديمي على المدى الطويل. ومع ذلك، بحلول عام 1977، كان معدل توظيف النساء في إيطاليا 33%. وفي الثمانينات، عندما تضخمت ديون البلاد، اختار السياسيون تقليص الخدمات الاجتماعية التي من شأنها أن تفيد النساء وتوظفهن.
وبدلاً من ذلك، اعتمدت إيطاليا على هؤلاء النساء لرعاية الصغار والكبار في منازلهن، وهي سياسة تتلاءم بشكل جيد مع الأحزاب اليمينية المتشددة، مثل تلك التي نشأت فيها ميلوني، والتي كانت تحمل وجهات نظر تقليدية للغاية حول الأسرة الإيطالية.
في الثمانينات، اجتاحت القوة الثقافية لبيرلسكوني جميع أنحاء إيطاليا. لقد تفاخر علانية بمآثره الجنسية. غمرت إمبراطوريته الإعلامية موجات الأثير بنسخ شبه عارية من مثاله الأنثوي. شعرت النساء، اللاتي شجعتهن التطورات التي حدثت في السبعينات، بأنهن عانين خلال العقود الضائعة. وقالت الكاتبة المتخصصة في القضايا النسوية، فرانشيسكا كافالو «كان الأمر كما لو أن بيرلسكوني حوّل كل ذلك إلى نوع من المزحة».
• مكانة ميلوني كأول امرأة تصل إلى أعلى منصب في السلطة بإيطاليا، وانفصالها العلني عن رجل يتدخل بشكل فظ في مكان العمل يجعلان مسؤوليتها تجاه النساء أمراً لا مفر منه، كما تقول بعض الناشطات النسويات.